ليس الجديد بالخبر المفجع حول الحادث الرهيب الذي تناقلته وسائل الإعلام قبل أيام، ومختصره أن 12 مجهولاً لقوا مصرعهم وأصيب 20 آخرون كانوا بين 46 متسللاً تتولى تهريبهم سيارتان عبر طرق صحراوية بعيدة عن العمران والخدمات قرب محافظة الدوادمي، وبعده بأيام لقي 9 مجهولين مصرعهم وأصيب 18 آخرون من جنسيات أثيوبية ويمنية وصومالية في حادث مماثل قرب بيشة، فيما لاذ مهربهم بالفرار، وأشارت الأخبار إلى أن أحد مصابي حادث الدوادمي هرب أثناء تلقيه العلاج بمستشفى الدوادمي العام، هذا كله رغم بشاعته ورغم تزايد الاستياء من جرائم الطرفين المتسللين والمهربين؛ قد يكون مما بدأنا بالتعود على سماعه، إلا أن الجديد هو تصريحات لوزير الهجرة اليمني عتب فيها على المواطنين السعوديين الذين (زعم) أنهم لم يبادروا بإسعاف مواطنيه المتسللين واكتفوا بتصويرهم بمكان الحادث! ونقل الوزير اليمني فيما نشره بموقعه على (فيسبوك) أقوال ورواية أحد الناجين من الحادث، حيث قال: إن السيارات في (الشارع) تتوقف حولهم ويكتفي أصحابها بالتصوير ولم يسعفوهم أو يطلبوا لهم الإسعاف، وهنا تبرز عدة ملاحظات منها أن الوزير اليمني قد خانته اللباقة بنشر تصريحه في الوقت الذي تعلن فيه المملكة وعلى مستوى قمة هرم السلطة إعجابها بالأشقاء اليمنيين وتفاعلهم مع أحداث بطولة الخليج لكرة القدم، وصدور أوامر سامية بالاحتفاء بالفريق اليمني وتجهيز طائرة خاصة لهم لأداء مناسك العمرة، والثناء المتواصل من وسائل الإعلام السعودية على الجالية اليمنية وتعاونها أثناء الاحتفالية الكروية، وكل هذا يأتي طبيعياً في إطار من الأخوة والمودة المعهودة بين الشعبين الشقيقين، وما لهما من روابط متينة وكأنهما شعب واحد (وهما بالفعل كذلك)، ثم إن الوزير اعتمد في أقواله على رواية متسلل مخالف للأنظمة وروايته تخالف المعلن رسمياً، وحينما شاهد القراء عنوان تصريح الوزير ذهب ذهنهم إلى أنه ربما سيعتذر عما يبدر من بعض الإخوة اليمنيين المتسللين إلى الأراضي السعودية، ويدعوهم إلى الالتزام بالأنظمة والقوانين المرعية، وفات عليه أن المهربين يسلكون طرقاً خفية وعرة لا يسلكها إلا أمثالهم، وان من كان يشاهد الحدث إنما هم بضعة رعاة للماشية وكلهم من جاليات أجنبية، ولم تكن هناك شوارع أو سيارات كما قال الراوي يا سعادة الوزير.
كما يلفت الانتباه هروب مصاب من المستشفى كدلالة واضحة على الإصرار على الفساد، وأن النفس الشريرة لم تتعظ أو ترتدع من هول الحادث المؤلم الذي حصد الأنفس وأصاب الأجساد الباقية بالعاهات، هكذا هم الأشرار، وهذه طباع من تأصل الإجرام وتغلغل في خلاياه وتلافيف عقله وكريات دمه، فلا يستطيع الفكاك من شراكه وحبائله، فتبقى النفس الأمارة بالسوء مسيطرة تقود صاحبها الغافل إلى دركات الظلام وكدر العيش وكلح المستقبل، وفئة كهذه لا يجدي معها ويكبح سفهها سوى نظام صارم يطبق بأمانة وهمّة وطنية مخلصة لا تلامسها العواطف؛ فهذا ليس مكانها، مع العمل على استنباط أحكام شرعية تتماهى مع فقه واقع الأمة ومآلات أوضاعها مع تزايد مثل هذه الوقائع، وحال مقترفي هذه الجرائم بحق الوطن والمواطن واستقراره وطمأنينته، الفقه الإسلامي منظومة دينية دنيوية كاملة متكاملة تلامس جميع الجوانب الحياتية للمسلم.