يقول الدكتور محمد البار، في كتابه: هل هناك طب نبويّ؟
إن جسم الإنسان مكون من بلايين الخلايا، وإذا دققنا النظر من خلال المجهر (الميكروسكوب) في الخلية نجدها تتكون من نواة، مكونة من مادة الحياة، ألـ (D.N.A) ومن الجبلة (البروتو بلازم) ونجد (بالبروتو بلازم) الجبلة، مجموعة جُسيمات، ولكل جسيم وظيفة وحكمة.
فالنواة وهي مكونة من الصبغيات (الكروموسومات) وكل صبغة (كروموسوم) يحمل الصفات الوراثية للإنسان من أجداده، وكما أن وظيفة النواة هي الإنشطار والتكاثر والمحافظة على الصفات الوراثية.
فإن من وظيفتها أيضاً توجيه الخلية والتحكم فيها، فهي عقلها المدبر، وعن طريق (D.N.A) النواة تُرسل الإشارات بواسطة الرسول يُدعى (R.N.A) إلى الجسم المدعو (ميكروسوم) الخلية الموجودة بالجبلة (البروتوبلازم) والجسيم المدعو (ميكروسوم) مكون من مادة (R.N.A) فيتلقى الرسائل بواسطة الرسول، ويقوم بصنع بروتينات الخلية.
فالخلية الموجودة في البنكرياس مثلاً على ضربين، خلية موجودة في (جزر لا نجرهان) بالبنكرياس، وهذه تفرز مادة الأنسولين.
وخلية أخرى في بقية البنكرياس تفرز الأنزيمات الهاضمة وكلاهما بروتين لكن الفرق بين الأنسولين والتربسين مثلاً، فرق ما بين السماء والأرض، وهو أمر عجيب كل العجب: خليتان متشابهتان، في مكان واحد، وكل واحدة منهما تتلقى الرسائل من النواة إلى الجسيم، فيصنع هذه مادة الأنسولين ويصنع الآخر مادة التربسين، فمن الذي أعطى الحكمة لهذه الخلية، وقال لها: أفرزي الأنسولين، وقال للأخرى أفرزي التربستين (كتاب هل هناك طب نبوي).
ولا شك أن المؤمن يجيب على الفور: إنها حكمة الله وعلمه جل وعلا الذي أحاط بكل شيء علماً: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى } (سورة الأعلى الآيتان 2، 3) فهو سبحانه قدر في أجسامنا جنوداً ومصانع لحمايتنا من الشرور والآفات.
وإنها لدعوة إلى التمعن في السرّ العظيم الذي جعله الله في النفس البشرية، ودعوة للإيمان الراسخ، والتفكر العميق، حيث أن التفكر في عجائب صنع الله، وفي مقدمة ذلك النفس البشرية، وهذا جزء من العبادة التي تربط المخلوق بخالقه، وتوصل العقيدة الصحيحة من قبله.
أما الدكتور الفرنسي الشهير (موريس بوكاي) الذي أسلم وصارت مؤلفاته تدعو للإسلام بالقرائن العلمية فقد أراد بحماسته أولاً لدينه (المسيحية) أن يقتنص كل مسلم يأتيه للعلاج ليشككه في الإسلام، فإذا به بعد حديث مع الملك فيصل رحمه الله، عندما جاءه للعلاج يتغير في نظرته.
فقد قال له الملك فيصل رحمه الله، هل قرأت القرآن باللغة العربية؟ قال: لا. قال: اذهب وتعلم العربية، ثم أقرأ القرآن وناقشني بعدها.
لكنه بعدما عكف في دراسة العربية لمدة عامين وأجادها، وجد القرآن ونظرته للإنسانية والعلوم ومخاطبته للعقول يختلف عن الترجمات فأسلم وصار داعية للإسلام، كما ذكر ذلك الدكتور: محمد تقي الدين الهلالي رحمه الله (ينظر مقاله في مجلة البحوث الإسلامية العدد 17).
هذا الطبيب ألف بعد ذلك مقالة علمية تبين عظمة الإسلام، ومكانة القرآن الكريم في فهم أسرار النفس البشرية، ومنها كتابه المترجم للعربية: الإنسان ما أصله الذي جاء فيه بحث عميق عن الخلايا والجينات وتعقيد نظامها، تابع فيه بعمق: الخلايا الدقيقة وأعمالها، وما تلقيه من إشارات ورسائل لتنظيم عملها فيما يحفظ توازن الجسم البشري، في الدفاع عن المخاطر والإنسان، مع مراقبة حاجة الجسم، بحيث تؤدي أعمالاً محكمة ودقيقة، هي أدق من الحاسب الآلي الذي بهر الإنسان في هذا العصر، وأراحهم في تخزين المعلومات وسهولة استخراجها، وقت الحاجة.
فهذه المعلومات التي تختزلها الخلايا في رسائلها الموجهة للعمل والتكاثر، وأخذ صفات الوراثة، قد بسطها في بحثه هذا، بأكثر من خمسين صفحة، وهو يريد بها: الرد على دارون اليهودي في نظريته عن النشأ والارتقاء، وعن الإنسان بأنه في الأصل كان قرداً، ويسوق رأيه بطريقة علمية دقيقة محكمة عندما قال: وقد انتهينا من النظر في الأسباب، التي جعلت نظريات (لا ماك ودارون) قاصرة عن تفسير نشؤ الشُعب الأساسية، والتي وصلت كلها إلى خطة تنظيمية لسلالة بإلمامها.
وكما سنرى فيما بعد: أن التطور في حالة الإنسان، توقف حديثاً جداً، أي منذ مليون سنة فقط، وفي هذا نسف لنظرياتهم. أ. هـ.
وأنا أقول إن القرآن الذي هو وحي من الله سبحانه، فإنه ينسف نظريتهم الخيالية في أكثر من آية، فيقول سبحانه في سورة التين: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} الآية 4، وفي سورة الإنفطار يقول جل وعلا {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ} الآيات 6-8 ، أما الدكتور البار: فإنه توسع في الموضوع رداً على الكاتب المشهور أنيس منصور، في جريدة أخبار اليوم المصرية بتاريخ 7-4-1395هـ، تحت عنوان: لا حكمة لموت أو حياة، قائلاً: بلى إن الحكمة واضحة في كل عضو وفي كل خلية، إذ خلايا الدم الحمراء، تفقد نواتها، وتتشبع بـ(الهيموجلوبين)، الصبغة الحمراء لكي تحمل الأوكسجين.
بينما كُرات الدم البيضاء تكبر ونوياتها، حتى تقوم بمهمة مهاجمة الميكروبات، الغازية المعتدية، بل إن كرات الدم البيضاء تتخصص هي الأخرى: فهذه الخلايا اللمفاوية، ووظيفتها إفراز البروتينات المضادة للأجسام الغريبة، كأنها ترسل القذائف الصاروخية، إلى موطن العدوّ، فتهاجمه.
أما الخلايا الآكلة أو الخلايا البيضاء، فوظيفتها بلع الأعداء ثم هضمهم، وهناك الخلايا الكانسة التي تكنس أماكن المعارك من مكانها، حتى يستطيع الجسم البناء من جديد.
أليست تلك هي الحكمة البالغة من الله جل وعلا؟
بلى إنها جزء من الحكمة التي نحس بها في أجسامنا، وسرّ الحياة في الكائن البشري، فسبحان الخلاق العظيم، وسبحان القادر على كل شيء، الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم.