يقول صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل الله من داء إلا وله شفاء علمه من علمه، وجهله من جهله)، وهذا من نعمة الله على عباده حيث تأتي أمور كثيرة: غذائية وطبية لحماية هذا الجسم.
فيقول سبحانه في سورة الرعد {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ}، قال بعض المفسرين انهم الملائكة الحفظة: يأتي بعضهم معقب بعض، ويحيطون بالإنسان من كل جانب لحفظه ورعايته، ولكتابة أقواله وأعماله ، وهذا التعقيب إنما هو بسبب أمر الله تعالى لهم بذلك، كما جاء في الحديث الصحيح: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح، وصلاة العصر، فيصعد الذين باتوا فيكم، فيسألهم سبحانه - وهو أعلم بهم - كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون) وفي الحديث الآخر (أن معكم من لا يفارقكم إلا عند الخلاء، وعند الجماع فاستحيوهم وأكرموهم).
وقال عكرمة عن ابن عباس: يحفظونه من أمر الله. قال ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاء قدر الله خلوا عنه.
أما صاحب الظلال فيقول عند مروره بهذه الآية الكريمة: والحفظة التي تتعقب على كل إنسان. وتحفظ كل شاردة وكل واردة، وكل حركة، وكل خالجة، والتي هي من أمر الله، لا يتعرض لها السياق هنا بوصف ولا تعريف، أكثر من أنها: (من أمر الله) فلا نتعرض نحن لها: ما هي؟ وما صفاتها ؟ وكيف تتعقب ؟ وأين تكون؟ ولا تذهب بجو الخفاء والرهبة والتعقب الذي يسبغه السياق، فذلك هو المقصود هنا، وقد جاء التعبير بقدره، ولم يجئ هكذا جزافاً، وكل من له ذوق بأجواء التعبير، يشفق من أن يشوه هذا الجو الغامض، بالكشف والتفصيل ( )، والجولة في النفس البشرية، وما يدفع الله عنها من البلايا والمحن ذات نظرتين: نظرة المسلم المستسلم لأمر الله، القانع بحكمه جل وعلا عقيدة وعملا. فهذا يستمد النصوص الشرعية وينفذها كما أمر، ليجد اليقين بالجزاء الذي اقترن بذلك الأمر.. فالصدقة تدفع ميتة السوء كما أخبر بذلك رسول صلى الله عليه وسلم، والصلاة: سعة في الرزق، ونور في الوجه، وطول في العمر كما جاء في الأثر.. والبر صلة ونتيجة يلمسها البار في أولاده عندما يكبر: (بروا في آبائكم تبركم أبناؤكم).. كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وغير هذا من شرائع الإسلام التي هي عبادة مع الله، وجزاء عاجل تظهر نتاجه، وآجل يريح النفس في الدنيا، ويجده المحسن عند الله أجراً وافياً.
ونظرة الماديين الذين لا يقتنعون إلا بما يبرز أمامهم، والعلمانيين الذين لا يستسلمون إلا للنتائج العلمية، فلهؤلاء المخاطبة بما يعرفون، لعلهم يثيبون إلى رشدهم، فإن الجسم البشري قد هيأ الله ما يحميه، ويحافظ عليه من الخطر، مما يحسه كل فرد في نفسه ويتمثل ذلك في مثل: -
- الجلد: تلك الطبقة الرقيقة من النسيج الذي يحيط بكل أجزاء الجسم من الخارج تقريباً، ومع رقته فهو متين. وكما هو معلوم، فكثيراً ما يتحمل الجلد عبء كثير من الإصابات البسيطة مثل: القطع أو الخدش أو الكحت، مع هذا فالجلد أيضاً حاجز ضد الجراثيم، إن أي فرد من البشر لا يستطيع أن يرى بالعين المجردة ملايين الجراثيم، التي تعيش في العالم من حوله، مع أن الكثير منها بالغ الخطورة، ولولا ما هيأ الله من الجلد، القادر على درئها خارج الجسد، لتعرضت الأنسجة الرقيقة الموجودة تحت الجلد للعدوى أو أضرار قاتلة.
- ويحتاج الجسم أيضاً إلى حماية داخلية، من عديد من الجراثيم التي تدخل مع الهواء الذي نتنفسه، والطعام الذي نأكله، وقد هيأ الله في أجسامنا ما تتم به هذه الحماية الداخلية، وذلك بواسطة الأنسجة الخاصة المسماة الأغشية المخاطية. التي تبطن القناة الهضمية، والأجهزة التنفسية، وفي بعض الأماكن مثل القصبة الهوائية، قد هيأ الله زوائد شبه شعرية صغيرة تسمي الأهداب، تزود بها الغشاء المخاطي، وعندما تتموج هذه الأهداب. فإنها تدفع الجراثيم الضارة، وذرات الغبار إلى أعلى، وإلى خارج الأنسجة الرقيقة للرئتين.. فسبحان من هيأ ذلك وأحكم عمله..
- ورغم أن الإنسان غير محاط تماماً بصدفة كالقواقع، إلا أن عدة أجزاء من جسمه تعتبر محمية، جيداً بالعظام القوية، التي أوجدها الباري سبحانه لتكون جمالا في المنظر، ووقاية من المخاطر فالقلب والرئتان يقبعان في نوع من القفص الذي يتكون حولهما من العمود الفقري في الخلف، والضلوع والقفص من الأمام، ولا يمكن الإضرار بهذا القفص، إلا بواسطة قوة كبيرة قد تتسبب في الإضرار بالأعضاء الحيوية الموجودة بداخله، فسبحان من قدر ذلك وحكمة.
أما المخ فلحساسيته ورقته، فقد جعل الله له حماية أكبر، حيث أحيط تماماً بعظام الجمجمة الصلبة، وأعضاء الحس الدقيقة والمهمة في هذا الجسم كالعين والأذن، فقد حماها الله بصورة جيدة أيضاً، ذلك أن العين تقع عميقة في محجرها في مقدمة الجمجمة، بحيث يقع سطحها خلف مستوى الحاجب الذي يعلوها، وعظم الخد الموجود أسفلها، ونتيجة لذلك فانه لا يمكن إصابة العين إلا بواسطة أشياء صغيرة أو مدببة.
أما الأذن فقد حفظها خالقها سبحانه بصورة أكمل في الحماية، لأنها تقع على عمق سنتمترين ونصف، داخل الجمجمة عند النهاية الداخلية للقناة السمعية ولا شك أن هذه الأشياء لم تأت مصادقة بل قدرها العزيز الحكيم الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً.
ـ والدفاع عن الجسم ضد البرد يتمثل في أن فقدان الحرارة في يوم شديد البرودة، يكون بسرعة كبيرة وبمضي الوقت يتم تبريد الجسم إلى أقل من حرارته العادية وهي 98،4 فهرنهايت، أو 37 مئوية، ومن توفيق الله وحكمته جل وعلا فقد تم تزويد أجسام البشر بعوامل متعددة للمقاومة، تساعدهم على تجنب مثل هذا الموقف: فأولا حين يشتد البرد في الخارج، يقل فقد الجسم للعرق إلى الحد الأدنى. وأن الأوعية الدموية تنقبض ويكون لذلك مفعول إنقاص كمية الدم التي تمر خلال الجلد البارد.
ويتم إنتاج كمية متزايدة من الحرارة باستهلاك المزيد من الطعام، وأخيراً فإن عضلات الجسم تبدأ في محاولة منها لإنتاج الحرارة في إحداث الانقباضات غير الإرادية الصغيرة التي نسميها الرعشة. فما أعظم هذا التركيب. وما أحكم هذا العمل، الذي سلكه الله في أجسامنا ليعمل تلقائياً على وقاية أجسامنا من المخاطر والآفات.
ـ وتأتي الغصة أو ما يعرف بالشرقة أحيانا للإنسان وهو يأكل أو يشرب، فيحس فجأة بنوبة لا يمكن مقاومتها من السعال، فنقول حينئذ: إن الطعام قد ضل طريقة. وهذا في نظر المختصين صحيح، إذ سبب السعال المفاجئ هو دخول ذرة من الطعام أو الشراب في مجرى التنفس بدلا من المريء، وهو الأنبوبة التي توصل الطعام إلى المعدة، ونوبة السعال هذه التي نسميها الشرقة هي أسلوب من أساليب الجسم في المدافعة عن الرئتين وحمايتهما من الأجسام الغريبة.. لأن كل شيء سار في غير طريقه يحدث ضرراً بالغاً.
لكنها حكمة الباري جل وعلا الذي قدر الأمور، وهيأ لكل شيء عمله في دقة وإحكام، ويسير بعناية تفوق التصور.. إذ ما أكثر ما في أجسامنا من حواجز تحمي، وسياجات تقي، وجنود متهيئة للفداء والدفاع.. مما يدعو المتبصر إلى حسن التأمل، وتعميق الإجالة الفكرية في دقائق جسمه وأعمالها، ليكون في ذلك عبادة الله بالاعتراف والشكر.
والشكر هو جزء من العبادة المأمور بها الإنسان، ووعد الله على الشكر الزيادة، وعلى حسن الأعراف الإنابة.. فالله جل وعلا يعطينا الكثير، والكثير جداً مما ندرك وما لا ندرك، ولا يطلب منا إلا القليل: عرفاناً وشكرا وأداء للحق الذي افترضه جل وعلا علينا.