** ترى فلا تعلمُ وتعلمُ فلا تفهم وتفهمُ فتشكُّ في تفسيراتك وتبريراتك وتقديراتك وتعوذُ بالله من سوء المنقلب المعرفي الذي أشجاك وأشقاك حتى صرتَ رقمًا في مائدة» روليت» تدير رأسك مع من يُديرون ولا تجزم أين سيتوقف مؤشر الدائرة.
** لايدري سببًا يجعله يقفزُ بين بضعة كتبٍ في وقتٍ واحدٍ دون رابطٍ موضوعيٍّ أو حاجة بحثية ؛ فتنقل قريبًا بين «ملحمة جلجامش» المتجذرة في عمق الأدب الأسطوري للحياة البدائية، ومذكرات «تشي غيفارا : أحلامي لا تعرف حدودًا» المعبرة عن ضميرِ الحِراك الشعبوي في تفاصيل السياسة المعاصرة ، ومخطوطِ الشيخ محمد العلي العبيِّد : « النجم اللامع للنوادر جامع « الراصدةِ للتأريخ الشفهي في مرحلة ما قبل تكوين الدولة وبُعَيدها اتكاءً على معايشةٍ ومشاهداتٍ شخصية ، وقريبٌ منها مطالعتُه المتصلة في مخطوطات « خزانة التواريخ النجدية « ذات المجلدات العشرة ، ومعها « حركة الكتابة « وهو كتيِّبٌ للدكتور عبدالسلام بنعبدالعالي يرى فيما يرى أن النص الحيَّ هو النصُّ الدائم .
** التأمتْ هذه الكتبُ دون ترتيبٍ مسبقٍ وكان إذا ملَّ من أحدها التفت إلى سواه ووعى خيطًا يصلُ بين مُشتَّتها الزمني والتخصصي وهو التوثيق القادر على الصمود المستعصي على النفي على المدى من لدن الألف الثالثة قبل الميلاد حتى الألف الثالثة بعده وفيها التأريخُ البدائيُّ ومراحلُ ما قبل التدوين وفتراتُ الاستعصاء التأليفيِّ القادرِ على الإثبات دون أن يعتوره الإنكار.
** ربما كان الشكُّ البحثيُّ في مواطنَ محددةٍ سببًا في جمع هذه التصانيف أو لعله العبثُ وربما الرغبة في التغيير، والحق أنها كلُّ هذه وأكثر منها لينتهيَ الأمر باستفهاماتٍ تنفتحُ على أخرى وليقف « جلجامش» بفكرته الخُلودية» مطلًا من علوه» النرفاني « فيضعَنا في واجهةِ الفناء والإعتام ويوقفَنا في محطات البحث عن الذات.
** يتبدل التأريخ في أفهامنا بمقدار ما نزداد دراسةً له وتنقيبًا في أوراقه وإحياءً لمنسيِّه، وليس غريبًا أن نُلفيَ بعض معلوماتنا في وادٍ وما يتبدى في المخطوطات في وادٍ آخر ، وأن يكون بطلٌ في زمنٍ طللًا في زمن وأن ينحسر الحلمُ فتحدَّه قيودُ المكان وتضاؤل الإمكان.
** ومثلما تبددت أفكار جلجامش حول الخلود تبعثر حزم غيفارا لمحاربة الفرقة باسم الدِّين، وتأكد يقين بنعبدالعالي في أن تأريخ المنتج العقلي هو تأريخ الفشل والعِثار والإحباط ولم نجد جامعًا يربط أو يبرر تناقضات المؤرخين الشفاهيين،مثلما لن نفهمَ الوصايةَ عليهم ومحاولة طمرِ نتاجهم.
** يمكن لنا التماسُ أسبابٍ واصلةٍ ومناطق فاصلةٍ تشرح بعض الاختلافات لكننا عاجزون عن قراءة تناقضات اليوم بالرغم من توافر وسائطَ سمعيةٍ مرئيةٍ مقروءةٍ متزامنةٍ مع الحدث فلماذا تختلف التحليلات وتتعددُ التوجهات والتوجيهات؟ والإجابة لن تتخطى غيابَ المعلومة الموثقة المحققة.
** المعرفةُ ثقة.