الإرهاب مثل الثعبان له دورة لتغيير جلده، لكنَّ لونه لا يتغير، ولا حتى تموجاته، والإرهاب الذي تواجهه مصر، والمنطقة العربية بأسرها هذه الفترة ليس ككل الفترات السابقة، ليس مثل ما واجهته خلال تسعينيات القرن الفائت، والسبب بسيط جدًا هو أنَّ الإرهاب هذه المرة أممي في شكل حرب عالمية جديدة هدفها تفتيت البلدان العربية، والدفع بسخاء منقطع النظير.. فانتبهوا أيها السادة لهذا الشرَك الواضح البيّن لمن يفكر، ومن لا يفكر يبقى متعاطفًا كما هو، أو مخطوفًا في تلك المساحة الضيقة المحبوس عقله فيها.
منذ أن تم تعليق صدام حسين على مشنقته صباح عيد الأضحى، بدأ من يومها العد التنازلي لتنفيذ المخطط الجبان لتقسيم البلدان العربية، بدأت بالعراق وتفكيك جيشه وهزيمته، ووصلت الآن محطاتها لغزونا من جديد من المحيط إلى الخليج، الكل معرَّض لهذا الإرهاب الحقير الذي يلعب دائمًا على وتر الجهل الديني المصاب به الشباب العربي، وسهولة مهمة استقطابه كما نرى، ليكون ولاؤه الأول والأخير إلى «شيخه» الذي يقوده إلى مقصلة الذبح، وليس مهمًا وقتها إلى من يُوجه فوهة مدفعه.
الإرهاب هذه المرة هدفه التشكيك في كلِّ ما يمكننا التأكد منه، بداية من التشكيك في قدرات القوات المسلحة المصرية التي تضرب كلَّ يوم المثل الأكبر في الفداء والتضحية من أجل كل شبر سواء على الأرض أو في المياه الإقليمية، وحتى خارجها، أقول وأكرر القوات المسلحة «آخر جيش حقيقي في المنطقة العربية»، والمستهدف من إرهابيين ممولين من تنظيمات ودول معلومة وغير معلومة.
والتشكيك؛ بل والتخوين بين الزملاء والأصدقاء والجيران الذي وصل حد القطيعة بين الإخوة من أب وأم واحد.. هذا التشكيك يصب في خانة قديمة جدًا، لكنَّها منسية وهي خانة «فرّق تسد».
المسألة الأكثر خطورة في رأيي، وأراه على صفحات الذين كانوا ناشطين لصالح الجماعة الإرهابية وهم ينضمون إلى جهات إعلامية في أثواب جديدة، لكنَّ السم الذي داخلهم لا يزالون ينفثونه هنا وهناك بمقترحاتهم الفجة - «تابعوهم جيدًا» - للمزيد من التشكيك في كلِّ شيء، وليكون تصديق خرافاتهم التي يستعدون لبثّها بقوة على أنَّها حقائق سهلة التصديق على عقول غبية سمحت لنفسها طوعًا بالتغييب.
تنظيم القاعدة، داعش، الإخوان، السلفيين، بوكو حرام... إلخ، وكل التنظيمات السياسية التي تتدثر بدثار الدين، والدين بعيد جدًا عن أهدافهم الحقيقية، تلك الرسائل النبيلة التي أفرغوها من مضامينها، واستبدلوها بالإرهاب والقتل والخطف والإعلام المضلل، وغير ذلك من وسائل رخيصة يحاولون بها تمكين الغزو الجديد من مفاصلنا، وكل هذه التنظيمات جهات تمويلها واحدة، وأهدافها واحدة، على طريقة تغيير جلد الثعبان، يغيّرون المسميّات حسب دورة حياة كلِّ تنظيم وفق منحنى اعتدالي يبدأ من الصفر ويصل إلى القمة «مرحلة التمكين»، ووصولاً إلى النهاية، ليبزغ نجم تيار آخر بمسمى آخر، في موسم آخر يخرج الثعبان بجلده الجديد، لكنَّه بالتفاصيل القديمة نفسها.
ولن نكون أغبياء مرَّة بعد مرَّة لنصدِّق أنَّ الدين - أي دين - يمكن أن يُدار بعقول السياسيين، فالسياسة تلك اللعبة القذرة التي لم يحاول أحدٌ تنظيفها من قذارتها، تمارس من قديم وهي لم ولن تتغير، فلا تتفق الأديان أبدًا مع السياسة، على رغم محاولاتهم الفاشلة على مدى قرون، والشواهد كثيرة على فشل ربط الدين والسياسة، والتاريخ المنسي حاضرٌ لأولي الألباب.
الحرب التي نواجهها الآن من المحيط إلى الخليج هي تلك الحرب العالمية القديمة التي يتم تصفية الحسابات المخابراتية لها على أرض سوريا حاليًا، والتي لن تنتهي إلا بالفهم الدقيق لطبيعة المرحلة التي نمر بها، لأننا لو لم نفهم حقيقة واقعنا، وماذا يريد منا مَنْ حولنا، فلن نكون قادرين على معايشة يومنا، أو محاولة التنبؤ بما يمكن أن يحدث في الساعات القليلة المقبلة.
وأقول: لن تنتهي كلُّ هذه الحروب التي تحاصرنا إلا حين يتفاهم الكبار الذي يديرون الحرب المخابراتية، ويرتبون تمويلها جيدًا، بحل سياسي حقيقي مدعوم بقوة تحمي وتساند، وهذا لن يحدث في القريب العاجل، لأنَّ المشاكل كثيرة، والقابعين في الغرف المكيّفة لا يهمهم من يموت، والسياسة بقذارتها لا تهتم لأحد إلا بلغة المكسب والخسارة مثل لعبة الروليت، حين تدور الكرة على كثير من الأرقام إلى أن تستقر في خانة رقم الفائز، ليخسر الباقون، وتعود الكرة مرة بعد مرة، فلا خاسر أبدًا، ولا فائز أبدًا.
أعود وأُحذِّر، من عناصر إخوانية إرهابية توارت بعيدًا من المشهد السياسي الآن، خوفًا من الإقصاء، تحاول إعادة إنتاج نفسها من جديد، لتبث السم عبر وسائل الإعلام التي هدفها الأكبر توجيه الشعوب إلى الوجهة المدفوع ثمنها مسبقًا لصالح العدو الذي لا ينام من أجل تفريق أرضنا.. ونحن جميعًا لسنا بعيدين من مرمى أفكاره، أو نيرانه.. واللعبة واضحة.