بكل ما يمكنها من أساليب سياسية ملتوية، تمارس الولايات المتحدة الأمريكية طقسها المعتاد في إثارة الحرب التي تكون لها اليد الطولى فيها، لحماية مصالحها في الشرق، ومصالح طفلها المدلل “إسرائيل”؛ مستغلة هوس العرب بالمذاهب التي تعتبر أكبر وأهم محرك لهم.
لا تشارك الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب الآن على الأرض بأبنائها أوحتى المرتزقة، بل تنتظر الفرصة المواتية، ثم تقذف بملايين العرب في أتونها، والفرصة مواتية الآن لتنفيذ مخططها.
الشغل الشاغل لإسرائيل، ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية، هو المشروع النووي الإيراني، من قبل هبوب لفحات الربيع على البلدان العربية، التي يلفها الإحباط، والمشاكل التي أغرقتها، مما يؤدي إلى أن يكون الطريق ممهدًا لبزوغ نجم التيار الإسلاموي، لأنه التيار الوحيد الذي لا يطلب من مريديه سوى السمع والطاعة، لكن كيف تخوض الولايات المتحدة الأمريكية حربها ضد إيران، لتكسير مفاصلها النووية، ومنازعتها أطماعها في المنطقة العربية، من دون تكرار تجربة العراق التي بسببها واجه جورج بوش الطرد من البيت الأبيض، وخروج الأمريكان في مسيرات رافضة لأي حرب خارجية تهدد سلامة أبنائهم، وسلامة خزائنهم، هذا هو السؤال الجدلي الأول.
في الوقت نفسه، يتساءل البعض، لماذا يعتبر المحللون أن التدخل العسكري الخارجي لحل الأزمة السورية، فاشل ومرفوض، رغم أنه نجح في ليبيا، وتم القضاء على القذافي في أيام معدودة، والإجابة ببساطة شديدة جدًا، هي أي تدخل خارجي يهدد أمن إسرائيل، لأن النظام السوري سيمارس دورًا بطوليًا مزيفًا بتوجيه نيرانه تجاه إسرائيل “الصديقة” للنظام السوري المجرم، وستجد إيران الفرصة مواتية عن طريق تسليح حزب الله لإعلان الحرب التي طالما هددت بها إسرائيل، وساعتها، سيتحد “السنة والشيعة” في إعلان حرب دينية سياسية ضد إسرائيل، وستجد هذه الحرب تأييدًا واسعًا من الشعوب التي ملأها الهوس الديني الذي صار محركًا لها من دون تفكير أو تدبر، إلى أي أتون يساقون إليه، وستكون إيران هي من يلعب دور البطولة في المنطقة العربية كلها، وهذا ما لا تريده الولايات المتحدة الأمريكية، ولا حتى الدول العربية، وهذه الوحدة الدينية “سنة وشيعة” لا تريدها الولايات المتحدة الأمريكية، أبدًا، لأنها بذلت الكثير من المال والرجال، لتأجيج الحرب الطائفية في العراق، ومن قبلها لبنان، وفي أي بقعة عربية، يكون فيها تيارات دينية، وحاولت في مصر بين المسلمين والمسيحيين، لكن النسيج المصري أقوى من أي أفكار طائفية مفضوحة.
تكون إجابة السؤال الجدلي من وجهة النظر الأمريكية، هي استدراج كل أسباب الصراع الطائفي على أرض سوريا، ولتكن هي الشرطي الذي يؤمِّن السلاح للمعارضة،في مقابل تأمين روسيا سلاح النظام، كما أن بشار مدعوم إيرانيًا، ويمارس الحرب على الأرض حزب الله “الشيعي”، بعد تطمينها الكامل للتيار الإسلاموي “الإخوان المسلمين” بوصوليتهم، بعد وصوله أو توصيله إلى حكم مصر، وقتها، لن يكون للولايات المتحدة الأمريكية أي تدخل مباشر في الحرب مع إيران، ولن تخسر جنديًا واحدًا من أبنائها، بل سيلعب الدور كله أبناء العرب العباقرة الذين سيعمل كل فصيل منهم على تدمير الآخر، لأنه بفعله هذا لديه وهم بأنه سيضمن مفتاح الجنة، والحور العين سيرافقونه هناك.
الولايات المتحدة الأمريكية، تمارس سياستها الصهيونية في المنطقة ببراعة الشيطان في الغواية، مهدت السبيل لتجهيل العالم العربي، وترك القلة القليلة من المثقفين المحركين لأي وعي، مع محاولة شراء نسبة منهم لا يستهان بها طبعًا، لكن موجة الجهل كانت وما زالت الأكبر، ومتى ما كان الجهل كبيرًا، كانت الفوضى أكبر، وكان اللجوء إلى الأديان أسرع، وهذا ما حدث تمامًا.
إيران دولة شيعية، حزب الله شيعي، الوضع السوري الآن وفق ما يتم تصديره إلى “يوتيوب” هو عملية إبادة السنة هناك، أي “السلفيين والإخوان المسلمين، والجماعات الإسلامية بكل فصائلها” هم المنوطون بالدفاع عنهم. ولأن اللعبة أكبر بكثير من عقلية الإخوان وخطط التمكين، فإن المشروع الأمريكي في المنطقة العربية يسير وفق منهج مدروس، فبعد العمل على وصول الإخوان إلى حكم مصر، وسبقه وصول حماس إلى حكم قطاع غزة، ثم تضييق كل المنافذ أو سدها أمام التيار الإسلاموي في المنطقة، إضافة إلى لغة خطابهم التي تحمل كل عناصر فشلهم أمام الناس، ثم التهديد بسد النهضة “مشروع إثيوبيا”، بعده تطمين إسرائيلي أمريكي على المساندة، ليبقى الطريق الوحيد الممهد هو “سوريا”، والحرب بين السنة والشيعة، هو الفتيل المحرك، لتدير الولايات المتحدة الأمريكية حربها السياسية ضد إيران، ولتدير إيران معركتها السياسية مع الولايات المتحدة الأمريكة على أرض سوريا، ومن يدفع الثمن هو المقتول من الطرفين الذي تنتظره حوريات الجنة، وليس هناك أي مانع من اعتلاء الشيخ العريفي منبر جامع عمرو بن العاص ليخطب في المصريين ضد نظام بشار، مع دعم كامل من الشيخ يوسف القرضاوي، بل على العكس، فإن خطب العريفي تخدم المصالح السياسية التي تضع العراقيل أمام المشروع الإيراني، وتمهد في الوقت نفسه الطريق أمام السنة والشيعة لحرب طائفية تشوه كل صورة عن الإسلام الذي يلبس عباءته كل من هبَّ ودبَّ، ليمرر حربه السياسية بعباءة دينية، وغطاء شيطاني أمريكي.
aboelseba2@yahoo.comكاتب وصحافي مصري