“تمرُّد”، لم تكن سوى فكرة، احتوتها إرادة شعبية، ومَنْ لا يتعلم مِن التاريخ فهو جاهل، وما حدث من تكرار لثورة 25 يناير، يؤكد أن الإخوان المسلمين بتطرفهم يحملون القدر الكبير من الجهل بسيرورة التاريخ، متناسين أنَّ الشعب المصري الذي ثار ضد مبارك ونظامه السرطاني في مصر لمدة ثلاثين عامًا، وأزاله في 18 يومًا، ما زال على ثوريته.
لم يهدأ الشارع المصري، رافعًا شعار “الثورة مستمرة”، للتحريض المستمر لاستعادة مكتسباته الثورية، ولن تهدأ ثورته، حتى يعيد مصر إلى مسارها الحضاري الذي حادت عنه طويلاً.
لا بد من وقفة مهمة عند تاريخ 30 يونيو 2013، وهو يوم التمرُّد الذي أزاح الرئيس المعزول محمد مرسي من حكم مصر، بقرار شعبي دعمته القوات المسلحة ببيان عزل مرسي يوم 3 يوليو 2013، بعدما أعتقد الإخوان أنَّ حكمهم لمصر بمثابة زواج كاثوليكي، وهو لم يكن أكثر من وثيقة حكم مكتوبة على مناديل ورقية مستعملة، مثل دستورهم الموصوف بالـ”مسلوق”. ولو أنَّ الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك أنفق المليارات لتشويه صورة الإخوان المسلمين، لما استطاع ذلك بالقدر الذي هم فعلوه في أنفسهم، وتنظيمهم.
وأعاد الشباب الذي يمثل نحو 67% من تكوين الشعب المصري، إنتاج ثورة 25 يناير 2011، أو إن صحَّ التعبير، إعادة الثورة التي سرقها الإخوان المسلمون، وأساءوا إليها، وإلى مصر كلها بسياسة تمكين أهل الثقة من الإخوان، وإقصاء أهل الخبرة من أي فصيل غيرهم، كان التحريض الشعبي لخروج المصريين يوم 30 يونيو لرفض حكم الإخوان، والحشد الجماهيري في مد ثوري جديد، أعاد الأمل إلى جموع المصريين، وفق منظومة عمل تحريض إيجابية، بطبع استمارات وزِّعت على المصريين، ووقع عليها أكثر من 15 مليون مصري، وهو العدد الذي اختار الرئيس الإخواني المخلوع محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية، التي وقف المصريون وقتها بين اختيارين أحلاهما مر، إما أن تختار أحد رموز نظام مبارك المخلوع، والمرفوض شعبيًا، أو أن تختار وجهًا مدنيًا جديدًا، لكنه مجهول، على الرغم من التطمين الكاذب الذي أعلنه مرسي سواء في الشارع، أو في الفضائيات التي استعرضت توجهات كل مرشحي الرئاسة، وكان مرسي يمثل الإحباط الحقيقي الذي رفضه الشباب الذي دفع من دمه الطاهر ضريبة إزاحة الإخوان عن مفاصل الدولة، وزاد عدد الموقعين على استمارات “تمرُّد” برفضه، على عدد من اختاروه في الانتخابات، فلا مجال للحديث عن أي مستقبل في معزل عن الشباب الذي يصنعه بيده.
ومما زاد حراك الشارع تصدير مقولة صوت المرأة عورة، على أنها حديث شريف عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي يتعارض تمامًا مع قوله تعالى (يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا). سورة الأحزاب - آية 32”، مما ترك المجال رحبًا لإعلاء شعار “صوت المرأة ثورة”، وهذا من أهم ما يمكن ذكره ضمن الحديث عن خروج المرأة ثائرة، سواء في ثورة 1919، وإلى خروجها في ثورة 25 يناير 2011، و30 يونيو 2013.
وكان 30 يونيو2013 يوم الخروج إلى ميادين مصر، من مختلف الأعمار رجال ونساء، كبارا وصغارا، للمطالبة برفض حكم الإخوان، وعزل محمد مرسي، بسبب فشل إدارته التي لم ترض الشباب، ولم ترض جموعًا كبيرة من المصريين، وكان الإصرار إلى أن تم عزل الجماعة، بين تأييد عربي، إقليمي، دولي، لحركة تمرُّد وشباب المصريين في إزاحة الإخوان عن كرسي الرئاسة.
لم تكن تمرُّد وليدة اللحظة، إنما كانت مخاضًا طويلا على مدى شهور، واصل شبابها الليل بالنهار لجمع التوقيعات من مختلف أطياف الشعب المصري، لإعلان وقت ولادة قيصرية للمد الثوري الشعبي يوم 30 يونيو.
واعتبرت الأزمات المتتابعة التي يحياها المواطن المصري، محرِّكًا رئيسًا لخروج المصريين إلى الشوارع، بعد قطع متكرر مبالغ فيه للكهرباء، مع أزمة في السولار، والبنزين، والتهديد الإثيوبي ببناء سد يحرم مصر من جزء كبير من حصتها المائية، وشبح كساد اقتصادي، وتصدير صورة مسيئة للمصريين من خلال رئيس لا يفقه أبجديات لغة الحوار، أو الخطاب الحقيقية، من خلال لقاءاته غير المجدية في روسيا، وألمانيا، وحتى إثيوبيا، ظهر مرتبكًا، لا يجيد الحديث بالعربية، ولا حتى الإنجليزية، وهو من قال للجماهير إنه عاش في الولايات المتحدة الأمريكية، وعمل في وكالة ناسا الفضائية، ثم عاد، ونفى عمله في ناسا، إضافة إلى طريق سياسته مع الداخل القائمة على الدعوة للحوار، من دون أي قبول لأي بند من البنود التي تحتج عليها المعارضة، تلك السياسة، هي السياسة الصهيونية نفسها التي تتبعها إسرائيل مع الفلسطينيين، عند الاحتجاج على بناء المستوطنات، إسرائيل تدعو للحوار، وهي لا تزال تبني المستوطنات، وتظهر الفلسطينيين على أنهم من يرفض الحوار لحل قضيتهم، وكانت المحصلة النهائية، فشل إدارة محمد مرسي في التعامل مع أي من هذه الأزمات التي تعرضت لها مصر، لا حلول لمشكلات قائمة، ولا رؤى مستقبلية لمشكلات مقبلة، لكن الشارع المصري، مختلف تمامًا عن الشارع في الأرض المحتلة، فكان خروج الملايين للإطاحة بالرئيس الإخواني الذي لم يرض طموح الشارع.
من هنا، أعتبر أنَّ الرئيس المعزول محمد مرسي بتصرفاته، وقراراته المرتعشة، مع الإلحاح منه على كونه رئيسًا لكل المصريين، وما يظهر للمصريين أنَّه ليس إلا عضو جماعة الإخوان المسلمين “الأهل والعشيرة”، وما تم تسريبه من مقاطع فيديو تم تصويرها، يؤكد أنَّ المرشد العام للجماعة هو القائد الأعلى لمرسي، وليس العكس. ترديد أنَّ مصر تدار من مكتب إرشاد الجماعة، وما سبق الحديث عنه في ما يخص مرسي، أعتبرُه المحرض الرئيس ضد منظومة فكر الإخوان، ورئيسهم المعزول، مما مهَّد السبيل إلى هدف شباب تمرُّد، والدعوة الشعبية بالنزول إلى الميادين لعزل الرئيس، وأبهر المصريون العالم كله بثورتهم السلمية التي ملأت ميادين مصر.
وكانت هناك قضايا شديدة التعقيد، لم تتم معالجتها، وتركت عالقة مثل البالونات الهوائية جاهزة للانفجار، متى تم توفير فرصة انفجارها، لا تحتاج سوى تحريك الهواء الساخن إلى أعلى، وتحريضها على الانفجار ليبدو تلقائيًا، منها بالونة المسلمين والمسيحيين، والتحريض من الداخل لتبرير قسوة جهاز أمن الدولة مع من يتم القبض عليه، باعتباره محرِّضًا على فتنة طائفية، هذا الملف الذي لم يعالجه نظام مبارك المخلوع، بل تركه ساخنًا دائماً جاهزًا للانفجار، كعصا موسى التي يخرجها وقت الأزمة، ثم يعيدها إلى يمينه مرة أخرى، يتوكأ عليها، وحاولت جهات خارجية وداخلية كثيرة تحريك الهواء الساخن لتفجير بالون الطائفية في مصر، وفشل محرِّضوها، فوجَّهوا بوصلتهم لمحاولة تقسيم مصر طائفيًا، ولم يفلحوا أيضًا، لكن الإخوان المسلمين، هم الفصيل الوحيد الذي قسَّم الشعب المصري، إلى فريقين متناحرين، مع الإخوان، أو ضد الإخوان، وكان يوم 5 يوليو 2013 هو تفجير بالون الصراع بين مصريين، أحدهما مع، والآخر ضد، وظهرت مقاطع إلقاء شباب الإخوان شبابًا آخرين يعارضون عودة مرسى للحكم من فوق أسطح المنازل.
لم تكن حركة “تمرُّد” التي أسسها الشاب المصري محمود بدر، إلا درجة من درجات التحريض أيضًا ضد سياسات الإخوان، إذن واجه الإخوان التحريض من الداخل ومن الخارج، من الداخل من أنفسهم وأفكارهم التي لا تتجدد، حتى حين تم التجديد، تحولت كلمة “الشريعة” التي كانت سلمهم لرقي كرسي الرئاسة إلى كلمة “شرعية”، بقدرة قادر، وكأنه محظور عليهم استخدام إلا عدد قليل من الأبجدية، حتى القدرة على توليد المعاني، لم تكن متوافرة لديهم.
ولم تكن هناك صورة من صور التعبير عن ترسيخ تاريخ 30 يونيو في أذهان المصريين، كونه يوم الخلاص من حكم فاشل، إلا فتح حساب صندوق دعم مصر 306306 لدعم الاقتصاد المصري، بعد إزاحة مرسي، وتلويح الرئيس الأمريكي باراك أوباما بقطع المعونة عن مصر. وتم استجوابه في الكونجرس بعد تصريحه مباشرة، عن سبب دعمه الإرهابيين على حد وصفهم.
تمرُّد 30 يونيو2013، يوم جديد في مسيرة شعب عانى كثيرًا من موجات لمحاولة الاستيلاء على إرادته، فما كان للمارد إلا أن ينتفض من جديد، ويعلن ذلك اليوم للحرية، مما دفع قناة الـBBC إلى تصريحها “إن المظاهرات ضد محمد مرسي هي الأضخم في تاريخ البشرية”.
“الشارع، الإخوان، المعارضة، تمرُّد، المؤسسة العسكرية”، معادلة ثورية من خمس زوايا، حرَّض كل منها على الآخر، أو مع الآخر بطريقته، وكانت النتيجة المنطقية هي الإطاحة برئيس أسقط الشارع شرعيته في أربعة أيام، ليبقى يوم 30 يونيو 2013، بداية خروج الجماهير إلى الشارع، ووصولاً إلى 3 يوليو تعبير عن قدرة شعب مصر على التغيير، متى ما أراد ذلك.. والشعار ما زال مرفوعًا “الثورة مستمرة”.
aboelseba2@yahoo.comكاتب وصحافي مصري