أكثر ما يشوه جماليات إنجازاتنا الإهمال واللا مبالاة من بعض العاملين في القطاعــات الخــــدمية والمكلفين بالصيانة وردم الحفر والفتحات الخطرة جدًا. مع الأسف هذه المصائد التي غض الطرف عنها حصدت أرواحًا بريئة وقتلت أحلامًا حية ربما آخرهم الطالب عبد الله عاطي الزهراني في ثانوية سعيد بن جبير في حي كيلو 14 شرق مدينة جدة.
الطالب عبد الله -رحمه الله- سقط في حفرة للصرف عمقها خمسة أمتار عقب خروجه مع زملائه من المدرسة. حاول الطلاب الصغار إنقاذ زميلهم دون جدوى فقد كان القدر أسرع منهم. الغريب أن الطلاب أكدوا أنه قبل وقوع الحادثة بيومين كادت الحفرة ذاتها أن تبتلع طالبًا آخر لولا لطف الله، ثم مبادرة زملائه الطلاب. بحسب الطلاب أنفسهم فإن إدارة المدرسة سبق أن أبلغت الدفاع المدني والجهات المعنية الأخرى ومنها أمانة جدة عبر بلديتها الفرعية لكن لا حياة لمن تنادي وكل جهة ترمي بالمسؤولية على الأخرى وسط تساقط الضحايا. على الأقل من الناحية الإنسانية كنت أتمنى توافر الحد الأدنى من العاطفة مع تزايد الأسر المكلومة على فقد أبنائها، وسرادقات العزاء التي باتت تنصب بعد كل فاجعة.
نؤمن بالقضاء والقدر لكن الاحتياط واجب والأمر لا يستدعي أكثر من قيام فرق الصيانة بحصر تلك الحفر بشكل دوري وتغطيتها بأغطية خرسانية لأنه وحسب الأخبار فإن بعض العمال السائبين يقومون بسرقة الأغطية الحديدية لبيعها في السوق السوداء، وبعض الشركات حال فراغها من المشروعات تترك الحفر وغرف الصرف مفتوحة ومع قلة المتابعة تظل هذه الغرف مكشوفة. حادثة الطالب الزهراني جاءت بعد ما يقارب الشهر من كارثة شارع التحلية بنفس المدينة بسقوط أب وابنه في حفرة مكشوفة، وفي حينها تملصت أمانة جدة من المسؤولية وأكدت أن تلك الحفرة لا تقع تحت إشرافها! ونحن بدورنا لا ندري نكذب من ونصدق من! وهل مثل هذه الحفر والغرف تقع تحت إشراف الأمانة أم الدفاع المدني؟ أتمنى ألا يترك الأمر هكذا معلقًا، ولا بد أن تحدد المسؤوليات وتنهى هذه المشكلة سريعًا ليس في جدة فقط وإنما في جميع أنحاء المملكة وإلا فإننا سنسمع الكثير من الأخبار الحزينة والمؤلمة، وسنواصل دفع أرواح المواطنين هدايا للإهمال واللا مبالاة!
بعد حادثة سقوط الطفلة لمى الروقي -رحمها الله- التي ابتلعتها بئر مكشوفة في منطقة تبوك في ديسمبر 2013 وكتبت عنها في حينها حيث هوت في بئر مكشوفة بعمق 114 مترًا ولم يتم انتشال جثمانها إلا بعد أكثر من شهر ونصف الشهر من عمليات البحث، بعد تلك الحادثة المؤلمة التي شغلت الرأي العام توقعت أن تبادر جميع الجهات المعنية لتشكيل لجان في كل منطقة مهامها حصر تلك المصائد القاتلة ودفنها أو تغطيتها بإحكام لكن شيئًا من هذا لم يحدث! للأسف هذه الحفر وبأهون سبب تغتال البشر. ليتصور أي منّا نفسه وهو يسير بأمان ولا يدري عن نفسه إلا وقد هوى في حفرة عميقة!
نحن أمام معضلة حلها يسير وأتمنى من الجهات العليا التوجيه السريع بالتعامل معها كيلا نفقد المزيد في قابل الأيام.