تقع مدينة عرعر في الشمال الشرقي من البلاد، مساحتها 360 كم2. ويبلغ عدد سكانها مع المراكز والهجر التابعة لها حوالي 1911051 نسمة، سكانها خليطاً متجانساً من منطاق مختلفة من مناطق المملكة، وهي العاصمة الإدارية والمركز الحضري والتجاري للمدن الشمالية، عرعر مدينة نموذجية تضمك إلى صدرها، وتأخذك باشتهاء منذ اللحظة الأولى، مثل حسناء وجهها طافح بهالات الضوء مستها الحمرة القانية، عرعر مدينة ساحرة متميزة تشدك إليها بكل تفاصيلها، لها مسطحات خضراء واسعة وجميلة، وأشجارها ورافة، وميادينها أناقة، سحرها يخطف الأبصار، لم أكن أتصور في حياتي أن يأتي يوماً تتحول فيه هذه المدينة الصحراوية المجدبة النائية والمعفرة بالتراب، إلى مدينة ساحرة وعذبة وأنيقة وخضراء، لكن مشيئة الله أن تظهر هذه المدينة بديعة وحالمة وأنيسة، عشقت هذه المدينة، وذبت في مفاتنها حتى النخاع، وفتنت بها مكاناً ومعنى وإنساناً، ودائماً ما أصاب بسحر مكانها ومغناطيسيته حالما أصل إليها، فعرعر عندي أشبه بالدوالي عناقاً وتعريشاً وهمساً وجمالاً، إنني من هؤلاء الذين يثخنون الحب إذا أحبوا، ويتلون شعره ونثره وينغمسون ترفاً ونعيماً فيه، وهذه فطرة سوية، تعكس الروح المحبة الحالمة، أيام قليلة خلت كنت في عرعر، تأملت كل شيء فيها، عبرت شوارعها شارعاً شارعاً، وجسراً جسراً، وسوقاً سوقاً، ومسطحاً مسحطاً، ودققت فيها جزءاً جزءاً، لقد أشغلت مراكز خيالي بالطاقة القصوى في تحميل صورها البهية، وأستغليت الزمن في مكوثي فيها والاستزادة من معينها الذي لا ينضب، لكن كثيراً ما تخلل شعوري بأن هذه المدينة لا بد إلا أن تكون جميلة وجنة وفردوساً منذ أمد طويل، ولا بد من رؤوس الأموال أن تترى إليها بلا تردد أو تريث أو تباطؤ،، لأنها مثل حمحمة خيل قبل الطراد، مدينة واعدة، نامية، وأرض خير، أرضها ندية، وخصائصها بيان، نبعة، وقنوات، وحجارة ناهضة، والمستقبل فيها يسيل مثل العسل من أقراص الشمع، وهي أشبه بالكفوف الحاضنة، ومحطة مميزة للباحثين عن العيش والعمل، وآفاقها واعدة في كل القطاعات الاقتصادية على مختلف تنوعاتها، وهي حلم الحالمين، ومضمار النشيطين، وعلى الاقتصاديين والتجار أن يرفعوا وتيرة رحلاتهم وبوصلة اتجاهاتهم نحو هذه المدينة الزاهية، لأنها كيفما يمشون تمشي، ولأنها تمنحهم كل صباح ومساء، السلام والتحية ومباركة العمل، والناس هناك فيهم الكثير من المؤنسة والدعة والمسرة، هم مثل حبة الجوز، صلابة خارجية، ومذاق طيب وآسر في الداخل، نمور، شديدون مثل العاصفة، في وجوههم ابتسامات لافتة، رائعة هي وجوههم التي تشبه المرايا، أحاديثهم، تحياتهم، تلويحاتهم، ضيافتهم، هناك في عرعر، أقولها بتجرد تام، نعم متلألأة، تل عالي، رمل ناطق، شجر باسق، ماء رائق، وجه صادق، سحر شائق، خير في الأرض قابع، كل زيارة اكتشف في هذه المدينة الصحراوية الزاهية، أرضاً غير الأرض، وشجر غير الشجر، وشارعاَ غير كل الشوارع، وجسراً غير كل الجسور، لقد كنت أتسلق الشموخ في عرعر، وعلى قمة الجبل العالي مابين عرعر وحزم الجلاميد، كانت تستلبني مشاهد الماضي تنساب من بعيد إلى عيني المتعطشة التي طالما أسهدها الشوق إلى هذه الأرض الحنون، مشهد اتحاد الرمل والزرع والطريق المزدان، هو مشهد أخاذ، لمثل هذه الروائع والصور الجمية نعرف قيمة مراكز الإبصار والذاكرة في عقولنا، يقولون إن الصحراء ليلاً هي تجسيد الوحشة والرعب، بالتأكيد من قالوها لم يكن لهم ذلك الحب المتميزة الذي يملأ الزمان والمكان، ولم يحلقوا بأبصارهم في سماء عرعر المرصعة بالنجوم الساهرة، خصيصاً عندما يكون الليل هادئاً وصافياً وبعيداً عن أضواء النيون وضجيج المكائن الهادرة، عرعر تعيش نهضة جديدة، وتطورها لا يعد ولا يحصى، فمثلاً لا تفارقني دهشتي وأنا أتذكر عرعر رملاً، وبيوت شعر، وصفيح، ووادي جاف، وبقايا نباتات قليلة وأشجاراً متباعدة أضناها العطش، ورغم أن المسافة الزمنية قصيرة في الانتقال الإيجابي لا تتعدى السنوات المعدودة، فأن تقدم هذه المدينة إنبجس كم ينبجس الماء من تحت الأرض، هذه حقيقة جلية، بعيداً عن رأي - المتسرعيين والمدرعمين - الذين أدهشهم هذا الانتقال السريع الذي يشبه الحلم، فألقوا بأنفسهم فوراً في خانة الاندهاش وعدم التصديق، من هدير الرياح الحارة، والشح والعوز والظمأ، إلى ضجيج العمل والبناء والحديقة والسندس الأخضر، لن أنسى مشهد الدروب الوعرة وغير المعبدة والوجوه المعفرة بالتراب في السنين القليلة الخوالي، إلى الطرق المعبدة والأشجار المتشابكة المتعانقة المتراصة وهي تمتد على مرمى بصري وأنا أتأملها من فوق أحدى التلال المطلة على المدينة، وأود لو استعير جناحي طائر لأحلق فوقها لتلتهم عيني الهائمتين كل مشاهدها، لقد كان بصري ولهان لرؤية جمال الحدائق والممرات وإبداع التنسيق، تخيلوا هذه الأمكنة في مدينة في قلب صحاء!، الهجر والمراكز التابعة لها ازدانت هي الأخرى، وتحولت من رمل إلى عناقيد ضوء، امتدت كبرت، هذبتة العقول والإيدي البشرية، وأضافت إليها اللمسات التي تليق بروعتها وأهميتها وقيمة إنسانها، حتى غدت رفيعة المستوى، بين الماء والرمل والملح والصخر والغيوم والضوء والضلال، لو أن أحدهم اختطفني، وغطى عيني، وذهب بي إلى هذه الأمكنة، ثم كشف عني الغطاء، لظننت لأول وهلة إنني في أرض الروايات الحالمة، قضيت وقتي القصير في عرعر ماراَ بمراكزها وهجرها، وأنا أمارس مع نفسي التعبير الإنساني الرمزي، منطلقاً بسعادة، وقافزاً في الهواء، جوانب الرضا والسرور في عرعر وضواحيها وتوابعها كثيرة ومتعددة، لكن عشقي الدائم لها حاز السبق في نفسي وروحي، ولذا أثرت سحرها ومراكزها وهجرها في هذا المقال، أن الكلمات مهما أبدعتها تعجز عن نقل كل جوانب ومعاني الإضاءة في الأرض والإنسان الشمالي الأشم، لكن رجائي أن أكون قد نجحت في مسح بعض الأتربة عن وجه المعدن النفيس، وبعثت في نفوسكم في هذا الزمن المحتقن بالطاقات السلبية، بعضاً من الأحاسيس الإيجابية التي أنعم الله بها علينا بكثرة وافرة في وطننا السعودي الكبير.