ليس من الصعب إقامة بنية أساسية مادية للتنمية مثل الطرق والمباني والمرافق إذا توفر التمويل، فكل ما تحتاج إليه عندئذ هو خطة محكمة للتنفيذ. وهنا لا تحتاج أن تخترع العجلة من جديد، كما يُقال، فنماذج التنمية الناجحة معروفة من اليابان وكوريا الجنوبية شرقاً وانتهاء بكاليفورنيا وما حولها في أقصى غرب الولايات المتحدة.
الجزء الأصعب من التنمية هو البنية الأساسية الاجتماعية، وفي مقدمتها التعليم. فلكي تبني الدولة جامعات متميزة تحتاج إلى ما هو أكثر من المال الذي تشيد به المباني والمعامل وجميع المتطلبات الإنشائية الأخرى. وقد اكتسبت الجامعات العريقة في العالم سمعتها الأكاديمية المتميزة بسبب تراكم تجاربها على مدى عقود طويلة من الزمن تمتد في بعض الحالات إلى قرون كثيرة كما هو الحال في بعض جامعات بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من جامعات الدول التي كان لها السبق في مجال التعليم العالي المتطور.
وإذا كانت بلادنا قد شهدت في السنوات الأخيرة تسارعاً في وتيرة إنشاء الجامعات الجديدة في مختلف المناطق فإن ذلك يمثل خطوة كنا بأمس الحاجة إليها منذ مدة وهي تأتي الآن لكي تختصر المسافة التي نعبرها في سباق مع الزمن لكي نحقق التنمية من خلال مراكمة تجاربنا الخاصة والاستفادة من الدروس وتصحيح الأخطاء وتعظيم الفائدة من قصص النجاح التي نصنعها لكي نصل في يوم ما إلى ما وصلت إليه الدول المتقدمة في مجال التعليم العالي. ولكن إلى أن يتحقق ذلك، نحن بحاجة إلى بناء المزيد من الجسور مع الجامعات والمؤسسات التعليمية والبحثية الناجحة في العالم، وهذا ما يحققه برنامج الابتعاث الذي تم الإعلان عن مرحلته العاشرة مؤخراً.
أجل؛ إنه لأمر مفرح أن نستمر في هذا البرنامج الرائع الذي يوفر لأبنائنا وبناتنا فرصة الدراسة في أرقى الجامعات في العالم. وقد جاء مؤخراً في الأخبار أن وزارة التعليم العالي أعلنت عن ترشيح 10491 طالباً وطالبة في المرحلة العاشرة من برنامج خادم الحرمين للابتعاث الخارجي، وهو العدد الأكبر من المرشحين منذ بداية البرنامج في عام 1426هـ.
هذا التوجه الجميل للاستفادة من تجارب الآخرين عبر برنامج ابتعاث الطلاب والطالبات ربما يكون من أفضل المبادرات التنموية التي شهدتها بلادنا في مجال الاستثمار في رأس المال البشري.
ما نتمناه هو أن يحافظ البرنامج على المعايير الصحيحة في اختيار المبتعثين والمبتعثات وأن تكون مجالات الدراسة هي تلك التي تحتاجها بلادنا في مسيرتها التنموية، وبهذا سيكون البرنامج خير رافد لمخرجات جامعاتنا المحلية، يُقوِّيها ويتقوى منها.