حملات «التثقيف المروري».. هل هي وسيلة أم غاية للجهات المعنية بأمر المرور والسير والأنظمة؟ فإن كانت وسيلة من وسائل بناء المجتمع، وتوعيته، وبناء قدراته، وتوسيع مداركه في حقوق الناس والمرور وصيانة الطرق والشوارع والأرصفة، فهذا حسن ولا غبار عليه، أما إن كان التثقيف غاية محدودة التوجه، وحالة آنية، وعمل مناسباتي، فإنها قد تظل مجرد جهد قد لا يحالفه التوفيق.
فالمشروع المروري لا شك أنه نظام حضاري، وقواعد عالمية موحدة، وقبل هذا وذاك «ذوق وفن»، أي أنه رؤية وعي، وأسلوب تَمَكُّنٍ، يتطلب من السائق أن ينتبه إليها. أي أن الأخلاق الفاضلة واحترام القواعد والأنظمة يجب أن تسود، وأن يُحترم النظام المروري والطريق والسائقون والمشاة في كل الجهات..
فعبارة «فن وذوق» استُخدمت في عالمنا العربي كثيراً، بل استُهلكت، وباتت من قبيل (سلامتك.. سلامتك، نود لك سلامتك)، و(أسبوع المرور) الذي يأتي قبل أناشيد (أسبوع الشجرة)، وبعد ملصقات (أسبوع النظافة).. وما إلى تلك الحملات التي ربما مع الوقت، وبعد هذا التراكم الزمني، تحولت إلى غاية لبعض الجهات، تنفّذ هذا الموال، ومن ثم «تعود حليمة إلى عادتها القديمة» كما تقول العرب.
ولكي ينجح المشروع المروري بشقيه، النظري التثقيفي والعملي التنظيمي، فإن أهم ركيزة أو منطلق فيه هو اكتمال البنية التحتية للعمل المروري، واكتمال منظومة البيئة المناسبة لتطبيق الأنظمة واللوائح، والعمل على متابعتها، وتقديم أفضل الحلول.. فلا يمكن أن نطبّق أنظمة مرورية في شوارع وطرق لم تكتمل بعد، ومنظومات المرور فيها على نحو تطبيق الخطط، أو تنفيذ الغرامات على المخالفين؛ لأن بعض الشوارع لدينا تفتقر إلى مقومات المرور السليمة، والطرق بين المدن لا تزال مستباحة من قِبل الإبل السائبة وأهلها، والشاحنات وقائديها الذين لا تعرف، أهم يجهلون أنظمة المرور أم يتجاهلونها؟!
فلا تزال الأنظمة المرورية محلياً وخليجياً وعربياً تنتظر نقلة تطويرية نوعية، تتخلص فيها من عقدة «الشرطية» التي ارتبطت بهذه التجارب. ورغم أن هناك مسميات تسعى إلى التقارب مع المجتمع، على نحو «رجل أو فريق المرور» بدلاً من «شرطي المرور»، فإن هذه المنظومات المرورية تحتاج إلى طاقات تشغيلية، تتخلص من نمطية فكرة الماضي للمرور، الذي لم يشهد هذا البركان الهائل من السيارات والطفرة العمرانية وكثرة الطرق والشوارع.
فالتجديد والتطوير مهمان على نحو التخلص من فكرة «أخي صاحب المركبة»، وكأنك تودعه في هذه العبارة؛ ليطير ويسبح بين الكواكب.. فالأمر غاية في الأهمية؛ لأن التقاعس فيه قد يسبب الكوارث، وسيدفع المواطن الثمن. والتجديد في أمر الحملات المرورية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، والأجهزة الذكية بمختلف أنواعها، والتعاون مع المبلغين، وعدم التهاون مع المتهورين، من الأمور المؤثرة والفاعلة في تطوير أنظمة المرور.
ومن أبرز ملامح المرور العصري المتطور المساواة في تطبيق الأنظمة بين الناس. وهذا مثال بسيط، يردده الشباب حينما تقام حملات رفع تعتيم السيارات باللواصق (التظليل) للحد المناسب، فإنك حينما تنظر إلى «مركبات» - أقصد سيارات - منسوبي بعض الجهات المرورية، وتجدها معتمة بالكامل.. فمن الأولى تطبيق الأنظمة على «شباب المرور»؛ ليكون قدوة للجميع.