حينما نتحدث عن عام يمضي إلى حال سبيله؛ يقدم البعض فاتورة من الإنجازات والإخفاقات قد تبدو طويلة، ولا تخلو أحياناً من منغصات أو هنات أو خيبة أمل.. فيرون أن لا جديد في سيناريو هذا العام.. بل إنه عام يشبه ما مضى من أعوام، وهناك من يسمه ثقيلاً حزيناً، إلا من بعض وعود، وأمانٍ كانت تترى في أوله، فيما البعض - وهم قلة - يفتشون عن ما هو إيجابي في عامنا الراحل، فهؤلاء متفائلون معذورون.
فالعام 1435هـ الذي يُوشك أن يودعنا، ويرحل إلى مظان الذكرى، حري بنا أن نتوقف عند كل وعوده وأمانيه وإنجازاته.. وما قدمانه وما لم نقدمه، وما هي الأشياء التي رَحَّلْنَاها إليه من أعوام سابقة؟.. وماذا سنسلم للعام الجديد بعد أيام؟.. أهي من قبيل الفاتورة السابقة، أم تراها عناصر جديدة ومفيدة، تشع نضارة المستقبل، وبارقة الوعد الجميل؟!
لماذا لا نجرب الحديث الجاد عن العام الحالي، ونكاشفه قبل أن يرحل ويصبح من متعلقات الماضي وفي ذمة التاريخ؟ .. فلا فائدة من أن نُوَدِّعَه ونشيعه إلى غير رجعة بإحصاءات وأرقام وإخفاقات تشبه المناحة والحسرة، أو النظرة بألم إلى مآلات الحياة لدى البعض إلى مجرد أحلام لم تتحقق، ووعود قبض الريح.
في هذه الرؤى الآنية للعام الذي نعيش آخر تفاصيله قد يكون من باب الأمل والفأل، أو حتى الواقعية في تناولنا أن نعيد حساباتنا مع الذات، ومع من حولنا يوماً بيوم، بدلاً من هذه الإطلالات السنوية التي تتشابه في مضمونها وتوجهها، فلم تعد مميزة بشيء.. اللهم إلا في تغيير الأرقام، وإضافة عام إلى أعمارنا، ورحيل جملة من الأحباب والأصحاب - يرحمهم الله - إلى جوار بارئهم.
وحينما نتأمل هذا العام الذي سينصرف فإنه في الحقيقة يشبه ما سبقه من العامين أو الثلاثة الأعوام الماضية، فلا تميُّز فيها أو جديد، على نحو ما شهدناه في أعوام نموذجية سبقته، كعام 1395هـ على سبيل المثال الذي يُعد منعطفاً مهماً في حياتنا حينما تسارعت خطى التاريخ، وأنجز المجتمع الكثير من أحلامه، على نحو طفرت البنك العقاري والزراعي والقروض والسيارات وسلم الرواتب الذي تضاعف، وهجمة الحضارة، وطفرة العقار ورغد العيش، وخلو البال من منغصات كثيرة.
أما عامنا هذا - إن تفاءلنا - فإننا سنقول عنه أنه هادئ، وعادي وقد مر بسلام دون أن يحرك شيئاً سوى سني أعمارنا، فهو يشبه العام السابق له من حيث الإنجازات والتميز، وإن تشاءمنا قلنا إنه حالة زمنية مخيبة للآمال، ودون مستوى الطموح.
فكثيراً ما سمعنا أن العام القادم سيكون مختلفاً.. لكنه مجرد وعد برّاق، لا يصدق به إلا البسطاء.. هؤلاء الذين ينسون أو يتناسون مثبطات الأعوام السابقة التي رحلت بالكثير من طموحاتها وخططها، فيعقدون أملاً ما في العام الذي يليه رغم أنه ينوء بأحمال الوعود المضاعفة.
هذا العام 1435هـ يودعنا، ولا بد أن نجعل منه رؤية واقعية يقظة، وحالة استلهام منصفة للمستقبل لكي نحرر العام الجديد، ونخلصه من أعباء وتراكمات ما لم ينجز في تلك الشهور والأسابيع الفارطة، وأن نكون أكثر فألاً بأن القادم أفضل بحول الله.. وكل عام والجميع بخير.