بعد أعوام من الجري وراء إعلانات التجميل، ووعود التجديد، وأحلام التطوير في كل مكان من الجسم، ومناطقه السطحية أو الحساسة؛ كالعيون والأنف، من قبيل التجميل والتعديل والتلوين والتحويل والشد والحقن، والسعي إلى إصلاح أي شيء ساهم الزمن في إعطابه، أو ربما العبث في كل مساحة فيه من أجل البحث عن جمال ممكن أو «ملاحة» موعودة، وما إلى ذلك من أوصاف براقة ينساق إليه البعض دون تَيَقُّنٍ من سلامتها ونجاعتها، اللهم أنهم رأوا من جربها ونجح! ولا مانع لديهم من تجريبها، وقد لا يكتب لها التوفيق في أحايين كثيرة، لا سيما في حالات تشخيص وعلاج غير موفقة.
إلا أن أخطر ما يواجه هؤلاء المجربون هو التدخل في أمور حساسة قد يأتي العبث فيها بنتائج عكسية، على نحو ما يرتبط بالعينين من سعي للعلاج في كل الوسائل الممكنة على نحو الليزر والليزك والتصحيح والتعديل، أو البحث عن الجمال كزيادة اتساع العينين وما حولهما من أجل التصور بأنهما باتا الأجمل!
فما يمكن أن نقف عنده بالتأمل وتوجيه سهام النقد، ولا نصادر حق الناس في رغباتهم، ومطالبهم وفرحتهم بأنفسهم، ومنافع هذه الأعمال والمشغولات، إلا أننا إزاء أمر كهذا قد نخوض بالجوانب التي تكشف لنا أبعاد أخرى لهذه الهجمة الهائلة على التعديل والتجميل والإصلاح، فقد ظهرت هذه الأيام نتائج دراسات مهمة تؤكد على أن الكثير من هذه الأعمال أو الطرق التي تتعلق بطب وصحة العيون ليست دقيقة، بل ربما تكون أحياناً مؤذية ومضاعفاتها خطيرة، وأبرزها طريقة علاج العيون بالليزك التي ثبت من خلال المتخصصين أنها هي الأسوأ في هذه التجارب الطبية الحديثة.
وما يعزز رؤية هؤلاء الاستشاريين في مجال طب العيون هو أن العملية برمتها نهضت من فكرة العمل التجاري في هذه المراكز الطبية التي تَدَّعِي التخصص، ولا نغفل أن لبعض المراكز الرائدة والمستشفيات الحكومية دورا مميزا في هذه الأعمال.. حتى أنهم لا يتوانون عن كشف هذه الممارسات التي لا يراد منها سوى التكسب، والعبث بمصائر الناس، واستغلال مشاعرهم، وإعطائهم بعض الوصفات والعلاجات، أو التدخلات الجراحية التي قد لا تفيدهم، وقد تكون مصدر خطر على صحتهم وسلامتهم.
وهؤلاء الاستشاريون يؤكدون أن الكثير من العمليات والطرق والوسائل الطبية في مجال «طب العيون» على وجه التحديد لا تخلو من بعد تربحي، يجعل من أي «فني قياس نظر» طبيباً أو خبيرا أو متخصصاً في هذا المجال، ليصبح الأمر مجرد تجارة، فتنتشر جراء ذلك هذه المراكز، وتتكاثر الإعلانات واللافتات والصور والتقارير من أجل أن يهرول البعض في هذه الحمى المتزايدة وراء كل ما هو استهلاكي حتى وإن كان على حساب الصحة وسلامة الإنسان.
فالانسياق وراء الإعلان، واقتفاء أثر من يجرب في هذا المجال قد لا يكون محموداً، لأن ما يناسب شخص ما قد لا يصلح لشخص آخر، وما التحذير الأخير من عمليات الليزك والسعي إلى إيقافها من قبل المتخصصين في طب العيون إلا فيضا من غيض هذه الهجمة الاستهلاكية التربحية التي طالت كل شيء بما فيها مجال سلامة العينين وصحتهما.. وسلامة عيونكم.