لوسائل الإعلام والنشر دور كبير في حرق كثير من الواعدين,..
وقد كنا نقول هذا مذ كانت أسباب حرقها لهم هي حاجتها لهم..., ورغبتها في منافسة نظيراتها بهم، سواء كانوا للعمل الصحفي فيها، أو للكتابة بأنواعها, حين كانت هي السلطة الرئيسة الجاذبة، ذات البريق، وإغواءات الشهرة، وليس بعد أن غدت تكابد البقاء والثبات..
في تلك فكانت تحرقهم بإطلاق البخور حولهم, وقرع الطبول لهم، بمجرد أن يفوح فيها شذى عرف حماسهم، ووقدة نشاطهم، قبل تمكنهم، وصقلهم, بل هم في أول درجات سلم النجاح تبدأ في حرقهم حين تسلط أضواءها على أسمائهم قبل أن ينضجوا، وتتيقن من إجادتهم, وتمرسهم, وجودة عطائهم.., فتتضخم ذواتهم، وتكبر أسماؤهم في عيونهم، وتغطي على حقيقة حاجاتهم من الدأب، والكفاح، والاستمرار في كسب الخبرة، والتمرس في الكتابة, أو العمل الصحفي, لذا حين تعمى عليهم حقيقة حاجتهم للاكتساب، والدربة, وتواصل تمكين الخبرة، وتطويرها ليكون لهم هذا الشأن حقيقة باستحقاق يتحول شأنهم المضخم هذا إلى فقاعة ما تلبث أن تتبخر, وقد حدث أن تبخرت وماتت على مدى سنوات كثيرة مضت, العشرات من الأسماء التي أحرقتها هذه الوسائل,..!
ومع أن النجاح لا يعول بالضوء، وحرق البخور, وزفة الطبول، بل بالعمل الجاد لإثبات الذات في درب الثبات، والاستمرار.. المبني بوضوح هدفه، بمتانة جديته، بدأب مثابرته فتمكنه، إلا أن الحالة تتكرر من جديد في هذه المرحلة الراهنة، ولكن بشكل آخر..
فبعد أن فتحت كل وسائل النشر الحديثة, والتواصل السريع, وفوِّض بعض شأنها للفرد، تكشفت بوضوح عن قدرتها على حرق كل من يتعرض لحمم بركانها, ممن يزج نفسه في أتون شهرة وهو غير مدرع ضد لهبها..!
ولأن الصحف ليست وحدها وسيلة النشر والشهرة، لذا فهي ليست وحدها وسيلة الإحراق.. لكنها هي أيضا اختلفت في معايير اختيار صحافييها المهنيين، وكتابها باختلاف حاجاتها, وتبادل مصالحها في زمنها الراهن، فبوجود ما ينافسها من بدائل وفق المنجز الرقمي، وما تعانيه من السباحة ضد تيار بقائها تنافس., ذهبت تقف عند معيار «الصوت»، لأن هدفها الراهن هو بقاؤها والجلبة تجذب الآذان المفرغة للاسماع..!!، إلى جانب هدف آخر هو كسب المال, لأن المال هو عملتها الضامنة بقاءها تنافس به بتطوير إمكاناتها التقنية لتواكب سرعة التطور من حولها..
لقد تعددت أساليب، ووسائل الإحراق وتحديدا إحراق الناشئة، وفي هذه الوسائل الحديثة المعروفة إلى جانب الصحف، بما فيها المواقع الافتراضية الإعلامية، أو الشخصية.. اختلطت لدى الكثير من عامة أولئك في المجال مفاهيم الجديد المفيد, مع الجديد الهامشي, والمبتكر الصادح, مع المبتكر الصادم, والصراحة في الرأي, مع الوقاحة في التعبير عنه, والتقدم نحو الأفضل ذي القيمة الفكرية، مع التجاوز نحو المفرغ من القيم والقيمة, فانتشر كالجراد أولئك الذين يمارسون الكتابة والنشر بلا خبرة، وشاع عنهم الحديث فيما يعلم وفيما لايعلم.., والجدل المفرغ من البراهين, والضارب صفحا عن اليقين، واللغة الركيكة, والخبرة غير المكينة، وعمت الأهداف الغائمة غير الواضحة, والخبرة المهنية غير المصقولة، والأخبار المتسطحة، وذات القرع النافر عن الذوق, والتعقيبات الضاربة في الذاتية والميول المشبعة بالوهن, والمهنية الهشة......., و......., فشاعت رائحة الشواء وزكمت الأنوف..!!
فالمساحات الإعلامية بكل قنواتها، وصفاتها, وسماتها تعج بهذه النماذج المحترقة من الفارطين في غرور، المتجاوزين بتضخم الذات, الراكبين موجات الانبهار,..
تجدهم لا تزال أقدامهم لم تصل بهم قامات أعلى، لكنهم ينظرون لما حولهم من أبراج وهمهم، هشة عظامهم, خاوية جرابهم.., يحتاجون للكثير كي ينجوا من نار الإحراق، لنور الإشراق.. بشتى ميولهم، واتجاهاتهم التي يظهرون بها للقارئ في وسائل الإعلام، والنشر على اختلافها, وتنوعها، ومصادرها الراهنة.., بما فيهم من يحسبون على الكتابة الأدبية.. وثياب لغتهم، وجسد فكرهم يلسعه ذلك الحريق..!!