يبدو أن الحروب بمفهومها التقليدي بين الدول قد انحسرت، وخف أوارها؛ لتحل مكانها الحروب الإلكترونية عبر تطبيقاتها - التكنولوجية والمعلوماتية -، كالهواتف الذكية، ومواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت، وذلك لإدراك تلك الدول أهمية التقنية في الحروب السياسيَّة، والحرب النفسية عن طريق جمع المعلومات من مناطق الاستهداف، وتوجُّهات الرأي العام، وهذه الحقيقة هي التي أعلن المتحدث الأمني باسم وزارة الداخليَّة اللواء منصور التركي، بأن الوزارة: «رصدت أكثر من نصف مليون حساب في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، تعمل من خارج المملكة، وتناقش القضايا الأمنيَّة فيها»، وأشار إلى أنه: «ليس من المستغرب أن تقوم هذه الحسابات باستهداف المجتمع السعودي، والتشويش عليه».
معظم المشروعات التجسسية لا تزال طي الكتمان، إلا أن الطابع الاستخباراتي للشبكة الإلكترونية، الذي طالما حاولت الدول الكبرى إخفاءه، قد تكشف كوسيلة تجسس، وجمع معلومات، فظهر مفهوم المخابرات عبر هذه الشبكات. وتأمَّل على سبيل المثال، حين كشفت صحيفة «الجارديان» البريطانية يوم الخميس 15 مارس 2012 م، عن خطة استخباراتية أمريكيَّة تسمى «الدمية»، تسمح لها بالتجسس على المواقع الاجتماعيَّة، التي يرتادها الشباب العرب، والمسلمين بكثرة، خصوصًا «الفيسبوك» و»تويتر» على الإنترنت، والتلاعب بهذه المواقع عن طريق استخدام عملاء المخابرات الأمريكية لأسماء «شخصيات وهمية»؛ للتأثير على المحادثات الإلكترونية، ونشر الدعاية المؤيدة للولايات المتحدة، ومحاربة التيارات الإسلاميَّة التي تسميها المخابرات «الجهاديين»، و»القاعديين». وتزامن هذا مع كشف مصادر لموقع «سي ان ان» أن الاستخبارات الأمريكية «سي اي إيه»، تراقب يوميًّا أكثر من «5 ملايين تدوينة قصيرة يوميًا» على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» في جميع الدول.
تحمل الحرب الإلكترونية في طياتها رسائل ذات طابع سياسي، وأمني في غاية الأهمية. كما أنها قادرة على تهديد الأمن القومي لتلك الدول، وقدرتها أيْضًا - على إثارة الرأي العام من المتلقين، من خلال عرض الأخبار السياسيَّة، وتحليلها، ولا مانع من فبركتها؛ رغبة في مزيد من الإثارة؛ ولتكون وسيلة للضغط الشعبوي على صناع القرار، وتعديل السياسات التي تحقق مصالح أطراف خارجية؛ لأنّها في الأصل غطاء لأجهزة استخبارات دوليَّة، تحاول رصد المتغيِّرات السياسيَّة، والاقتصاديَّة، والاجتماعيَّة لتلك الدول، وإيجاد جسور للتواصل مع الشباب العربي.
في تقديري، فإنَّ احتواء مثل هذه التهديدات، والقضاء عليها، سيكون حقًا مشروعًا، وذلك لخطورة تنامي الحروب الإلكترونية القادمة، التي تغذيها الثورة المعلوماتية، ولا يكون ذلك إلا بتدشين مواقع تشكّل مستقبلاً نواة لجيوش إلكترونية. في الجانب المقابل؛ لتثبت وجهة النظر الحقيقية؛ ولتحكم السيطرة على تداول المعلومات على كافة المستويات، والعمل على إيضاح جميع المعلومات المغلوطة اللازمة لذلك. كما أنني لا استطيع في نهاية المقال، أن أغفل أهمية دور المُتلقِّي في تقييم صحة المعلومات المرسلة، والمنشورة، وبالتالي التوقف عن ترويج الإشاعات دون علم، أو فهم.