أصبحت مدينة جدة يوم الأحد الماضي 18/12/1435هـ على فاجعة جديدة تتمثل في سقوط أب وابنه في حفرة صرف صحي في شارع التحلية, والذي يعتبر أرقى شوارع مدينة جدة, حيث تسبب عدم وجود غطاء فتحة الصرف الصحي في تلك الكارثة, وكالعادة بدأت كل جهة ترمي المسؤولية عن تلك الفاجعة على الجهة الأخرى..
فالأمانة تضع المسؤولية على صاحب المركز التجاري, وصاحب المركز التجاري يلقي اللوم والمسؤولية على مصلحة الصرف الصحي بالتقصير والمصلحة توجه أصابع الاتهام بالتقصير للأمانة, وفي النهاية يقفل الموضوع ولا يتبقى لأسرة الضحايا سوى تجرع آهات الألم والحسرة على فقدان ذويها, وليس للمجتمع سوى أن ينتظر سماع خبر فاجعة أخرى على هذا المنوال دون تحرك الجهات ذات العلاقة لإيجاد حلول جذرية تمنع تكرار تلك الكوارث الإنسانية, ويكفى أن أشير في هذا الخصوص إلى ما صرح به المتحدث الرسمي للدفاع المدني في منطقة مكة لصحيفة مكة يوم الأحد 18/12/1435هـ, عندما قال إن الدفاع المدني باشر حالات مشابهة كثيرة مؤخراً في جدة لأطفال سقطوا في فتحات الصرف الصحي, موضحاً بأن آخر تلك الكوارث لطفل في حديقة بحي الروضة ولطفلة بحي السامر بجوار منزلها وأمام ذويها.
وبغض النظر عن الجهة المتسببه في ذلك, فإن وقوع هذه الكارثة يؤكد لنا وللمرة الألف بأن معالجة الكوارث لدينا تقوم على مبدأ (رد الفعل), بمعنى أنه متى ما وقعت الفأس بالرأس وفقدنا أقاربنا وأحبابنا كضحايا لتلك الكوارث الناتجة عن إهمال غير مبرر, تبدأ الأجهزة ذات العلاقة بالاهتمام الإعلامي فقط دون التوصل لمعالجات حقيقة لتلك الكوارث.
كما أن هذه الحادثة تؤكد لنا عدم اهتمام الأجهزة الرسمية بشروط السلامة التي تتضمنها عقود الإنشاءات والصيانة في حال الإهمال أو عدم تطبيق شروط السلامة من قبل المؤسسة أو الشركة المنفذة, ولو عدنا للعقد الموقع مع الشركة المكلفة بصيانة هذا الموقع الذي وقعت فيه كارثة جدة في شارع التحلية, لما وجدنا فيه من البنود الرادعة للشركة في حال ترك فتحة الصرف الصحي دون غطاء.
أيضاً تقودنا هذه الكارثة إلى التأكيد مراراً بأن العقوبات التي تتضمنها أنظمتنا ولوائحنا غير رادعة, بل إنها عقوبات متواضعة تدفع الكثير إلى عدم احترام تلك الأنظمة واللوائح. فالأنظمة والقواعد القانونية لا تحترم طالما أن مخالفيها لن يتعرضوا لعقوبات رادعة.
ويكفي أن نعلم أنه وعلى الرغم من الكوارث الإنسانية التي تحدث بسبب الإهمال في ترك فتحات الصرف الصحي دون أغطية, إلا أن الطامة الكبرى التي لا يمكن قبولها تتمثل في أن لائحة الغرامات والجزاءات عن المخالفات البلدية والصادرة بقرار من مجلس الوزراء رقم 218 قد حددت عقوبة المتسبب في ترك البيارة دون غطاء بغرامة مالية زهيدة مقدارها ألف ريال تدفع للمصاب, وتصل تلك الغرامة إلى ثلاثة آلاف ريال في حال تكرار تلك المخالفة (بل الجريمة), فهل يعقل ذلك؟؟ وهل نتوقع أن تبالي المؤسسات وشركات الإنشاءات والصيانة بحياة البشر طالما أن هذا مستوى العقوبات التي تنتظرهم.!!
مجرد تساؤل:
إذا كانت هذه الكارثة الإنسانية قد وقعت بسبب ترك فتحة الصرف الصحي دون غطاء في أرقى شارع في جدة وهو طريق التحلية, فكيف سيكون وضع فتحات الصرف الصحي في بقية أحياء جدة الشعبية والعشوائية وغيرها, أيضاً كيف سيكون الوضع في الكثير من المحافظات والمراكز والهجر في مناطق المملكة المختلفة !!