مثلما أن مجتمعنا له خصوصيته في كل شيء، له خصوصيته الشديدة في الإدارة، فرغم أن الإدارة علم قائم يدرس في الجامعات والمعاهد إلا أن المدير السعودي يضرب في علم الادارة عرض الحائط ليمارس نوعا من الإدارة يعتمد اعتمادا كليا على هواه ومزاجه، لتنقلب العلاقة بين المدير وموظفيه من علاقة عمل يحددها النظام والقانون إلى علاقة شخصية يحددها مزاج المدير، ليجد الموظف نفسه أمام حالتين احلاهما مر ..
..اما ان يستقيل ويتسبب في قطع رزقه بيده أو يستمر ويصبر ليصبح الذهاب إلى العمل كأنه الذهاب إلى مأتم وعزاء لتزداد مع اشراقة كل يوم جديد كمية الاكتئاب بسبب العمل مع مدير مترصد ينقل خصومته معك من حدود المكتب ونظام العمل إلى كل حدود مفتوحة حتى يجد الموظف نفسه غير قادر على احتواء خلافه مع مديره، بل على العكس كل يوم تتسع هوة الخلاف في تعمد من المدير على اثبات سطوته وترهيب باقي الموظفين!
كل هذا يمكن تصوره واحتماله، لكن الذي لا يمكن تصوره ولا احتماله عندما تنتقل هذه الصورة الإدارية من الرجال إلى النساء تنفلت الأمور إلى حد لا يمكن وصفه، وهذا ماحدث في خبر نشر قبل يومين من تسلط مديرة مدرسة على معلمة ومنعها من الخروج وهي في حالة مخاض ونزيف حاد حيث انها حامل في الشهر الثامن، هذا التصرف الفردي المهين من قبل مديرة المدرسة -إن كان صحيحاً- هو نتيجة ثقافة مجتمع، يعتقد ان الآخر كاذب ويبحث عن خداعه واستغلاله فتجده دائما متحفزا ومتوثبا ومشدودا طوال العلاقة واوقات الدوام وكأنه يملك كنزا يخشى أن يكشف سره الآخرون!
قليل جدا من المديرين السعوديين الذين يديرون بقية زملائهم بروح النظام وسماحته، قليل منهم من يفهم أن موظفيه انما هم أمانة في عنقه وهو المسؤول الأول عن تطوير قدراتهم وتنمية انتمائهم وجعلهم يأتون كل صباح إلى عملهم بمعنويات عالية وكأنهم ذاهبون لمناسبة فرح وليس مناسبة عزاء كما يحصل في الكثير من الادارات عندنا، كثير من المديرين السعوديين لا يستطيع عزل شخصيته عن عمله، فتراه يقرب الذين يتقربون منه مهما كانوا غير مفيدين للعمل والعكس صحيح، كثير من الادارات نجد المخلصين للعمل يعانون لأنهم لا يجيدون التزلف والمجاملة لمديريهم مع ان كل موظف مميز ليس لديه وقت يقضيه في منافقة أحد، الكثير من المديرين السعوديين يبحث عند موظفيه اثبات هيبته وتعميق إحساسه بأنه مدير مع كل يوم جديد، استفحلت ظاهرة المدير السعودي الذي يحمل صورة ذهنية سلبية عن موظفيه، ويعتقد بأنهم يكذبون في أعذارهم بسبب ضعف الرقابة والتدقيق على هذه الإدارات، فمثلما هناك نداءات تطالب بالفحص النفسي للموظفين يجب أن يشمل ذلك مديريهم حتى لا تتكرر مثل هذه التصرفات التعسفية التي لاتفسير لها سوى أن هؤلاء الأشخاص يحتاجون إلى تأهيل نفسي وإداري حتى لا يتكرر ما حدث من حالات اجهاض اخرى او حالات قتل انتقامية لاسمح الله!.