لم تصل أمريكا لتكون شرطي العالم من فراغ، لم تصبح قطب العالم الأوحد مجاملة من الآخرين أو دون معطيات حقيقية تؤهلها لتسيير جميع دول العالم بحسب هواها ومصالحها، الدولة التي تتقدم العالم علمياً ستجد نفسها وقد تقدمتهم في كل شيء آخر، دول الشرق الأوسط ليست أصعب من دول أوروبا أو روسيا وقد وضعت أمريكا على كل رأس دولة منهم رسناً طرفه الآخر في يدها،
لذلك لم يكن مستغرباً على الضالعين بمعرفة أمور الشرق الأوسط أن تنقسم الاستخبارات الأمريكية إلى نصفين يحاربان نفسيهما في الحرب العراقية الإيرانية، والذي يعرف السياسة الأمريكية يجد ذلك مبرراً ويحقق مصالح أمريكية أكثر من غيره من الحلول الأخرى. وحول ما يحدث في العراق وسوريا لا يمكن أن يكون بعيداً عن الأيادي الأمريكية غير البيضاء، ليست أمريكا التي لا تدس أنفها مع كل مليشيا وكل جماعة مقاتلة، بل قد يكون جميع قادة المليشيات المقاتلة يتحركون بتنسيق مباشر مع الاستخبارات الأمريكية، ليست الاستخبارات الأمريكية التي لا تكون مطلعة ومسيطرة على كل شيء فوق ميدانين الصراعات على الكرة الأرضية، وهذا حق من أبسط حقوق شرطي العالم، حق (مغتصب وليس مكتسباً) تملكه الدولة التي تحقق لنفسها لقب أقوى دولة في العالم. دعونا من تبادل التهم عبر الإيمان بنظرية المؤامرة من عدمها، نحن أمام أرض معركة، أم سيناريوهات حروب سابقة، كلها تثبت أن شرطي العالم ماكر ويقظ ودموي وليس له حليف سوى إسرائيل مهما أقنعنا أنفسنا عكس ذلك حتى لا نبدو أغبياء أكثر من اللازم، إيران صافحت أمريكا كحليفة منذ عقود من الزمن لكنها في اليد التي لم تصافحها بها تصفعها! إذ لا مجال لكسب التحالف مع أمريكا في ظل وجود إسرائيل التي تعتبر جميع دول الشرق الأوسط معادية تخوض ضدها حرباً باردة، أمريكا من خلال قراءة متأنية وبسيطة لسلوكها السياسي وعقيدة خارجيتها تطبق خططاً إستراتيجية أعدتها منذ عشرات السنين، والدول العربية تجد نفسها لا تفهم المكر والخبث الأمريكي وتعتبره من باب التخلي أو الخيانة، وكل الحكاية أنه أمر إستراتيجي يحدث أمام عقول غير إستراتيجية لا تستطيع التفكير خارج إطار اليوم السياسي، لذلك فهي تفتقد المبادرة، وكل سلوكها عبارة عن ردود أفعال لا أفعال!