ليس لامرأة سعودية أن تكون بمعزل عن كرة القدم مهما كانت تجهل بها، ولا تعرف الفرق بين ضربة المرمى وضربة الجزاء، ويتبادر لذهنها أن العامل المشترك بينهما أن كلتيهما تسمى ضربة، تشعر معها بدور المصادفة والقدر، كما هي الحال مع ضربة شمس! المرأة السعودية تجد نفسها - بشكل أو بآخر - تستطيع أن تجادل في كل ما يخص كرة القدم، وبخاصة فيما يتعلق بناديَيْ الهلال والنصر؛ لأنها صراعات جدلية ونزاعات يومية، لا نهاية لها، تحدث أمامها بالدقيقة
والساعة. ولم أعد أستغرب ذلك بعدما علمت أن اللاعب السعودي ذا المستوى المتوسط وما دون يتقاضى مرتباً شهرياً يتجاوز المائة ألف ريال، وهو مبلغ لا يتقاضاه في سوق العمل السعودي الضخم سوى أناس لا يتعدى عددهم أصابع اليد، ممن يديرون مشاريع تُدرُّ الملايين من الريالات.
يزداد اندهاشك وخيبتك عندما تعرف أن اللاعب فوق المستوى الجيد يتقاضى دخلاً شهرياً يفوق نصف مليون ريال سعودي. اعتراضي ليس على هذا الرقم الفلكي المعجز قياساً بمستوى كرة القدم الهزيل لدينا، بل اعتراضي أن هذه الأرقام الفلكية لا تتماشى مع الواقع والمنطق.
أمور لا يمكن قبولها، لا من الناحية الاقتصادية، ولا من الناحية الاجتماعية، ولا من أي ناحية يكون للعقل وجود بها، أن نمنح هذه المبالغ غير المعقولة ونحن لا نملك بنية تحتية رياضية، تبرر مثل هذه الأرقام.
لا يوجد أي نادٍ سعودي - حسب خبرتي البسيطة ومراجعتي لقوقل - يملك دخولاً مادية تكفي لتسديد مائة وخمسين مليون ريال، وهو المبلغ المتوقع لتجهيز نادٍ ينافس على البطولات المحلية، بل هناك أناس يجدون لأنفسهم مبرراً أن يديروا دفة الأندية، ويدفعوا مالاً دون أن يستردوه؛ لذلك من الطبيعي أن تنحصر القوة المالية والرياضية في ناديَيْن أو ثلاثة، تلك التي يكون أحد جماهيرها من صغار السن أصبح كبيراً عاقلاً، وقد ورث عن أبيه مبلغاً لا يؤثر عليه إن صرف منه مائة مليون، يقوم بتسجيلها كديون على النادي، ثم يستردها فيما بعد بعيداً عن أنظار الجماهير، بعد أن اكتسب الشهرة التي جاء من أجلها، بينما بقية الأندية الأخرى مكتوب عليها أن تبقى صغيرة للأبد؛ كون قوتها المالية أقل بما يقارب المائة ضعف عن الأندية الجماهيرية الأربعة أو الخمسة الأخرى.
هذه الفوضى الاقتصادية والتناقضات غير المنطقية داخل النظام الرياضي ولدت الخلل في تردي مستوى المنتخب الوطني لتردي المستوى في الأندية التي تغذي المنتخب، كذلك طريقة اختيار المدرب، وفرض طريقة العمل عليه غصباً عنه، كما حصل مع أغلب المدربين، ربما آخرهم المدرب الهولندي الذي يقال إنه تم تزوير تغريدة منسوبة إليه أنه يشتكي من التدخل في عمله، وأنه أُجبر على الصمت لضخامة المبلغ الذي يتقاضاه.
وحتى إن كانت التغريدة مزورة فنحن نصدقها؛ كوننا «أهل قرية وكل عارف خيه»؛ كوننا نعرف طريقة الإدارة السعودية التي لا تقبل تفويض الصلاحيات والمحاسبة على النتائج، بل تؤمن بالتدخل في التفاصيل.
نعرف عقلية الإداري السعودي، حتى وإن جلب مئات المتخصصين، يظل هو المتصرف في كل شيء, بينما هؤلاء المتخصصون تم جلبهم لتحميلهم المسؤولية عند الفشل!