فاصلة:
«في النساء جرح لا يلتئم بالمرّة، كلُّ الجروح تشفى، إلاّ هذا الجرح فهو يبقى مفتوحًا»
- كازانتزاكيس في روايته «زوربا» -
رغم أنّ الجدّة كانت في الثمانين من عمرها مستمتعة بجمالها وتدلك شفتيها بورق الجوز، إلا أنها لم تقبل أن يصفها حفيدها بالقبيحة حينما وبّخته لطيشه، فغضبت ودعت عليه ثم بدأت صحتها في التدهور،
وعندما كانت تحتضر شاهدته وشهقت، وقالت: «لقد كنتَ من أنهى حياتي... فليلعنك الله، ويجعلك تعاني كلَّ ما عانيته أنا!»
يعتقد الرجال أنّ إهانة النساء اللفظية تمر بسلام، بينما صمت المرأة خاصة الزوجة عن الإهانة، لا يعني قبولها لها وعدم ألمها.
المشهد التصويري لزوربا يجسِّد عمق تأثير العنف اللفظي على المرأة مهما بلغت من العمر .
ويبدو الأمر صعباً حين تأتي الإهانة من الزوج لزوجته وغالباً أمام الأبناء، معتقداً بأنه حين يعلو صراخه أو يصف الزوجة بالإهمال مثلاً، فإنه يمارس شيئاً من حقه كزوج .
إشكالية العنف اللفظي في المجتمعات العربية، أنه بلا قانون يعاقب عليه كالعنف الجسدي، بينما هو متجذّر فيها وإلاّ لما عاير الأولاد الصغار في المدارس بأمهاتهم واستخدموا الأم للشتم، بينما يبقى الأب في الحفظ والصون!!
في مجتمعنا على حدِّ علمي هناك دراسة حديثة ووحيدة للعنف اللفظي تجاه الزوجات، أعدّتها الصديقة الباحثة «منيرة السبيعي»..
نتائج الدراسة مفجعة، فقد اكتشفت الباحثة أنّ ما نسبتهن (72.7%) من مفردات عينة الدراسة، أجَبْن بأنهن قد تعرّضن للإساءة اللفظية من قِبل أزواجهن بِنسب متفاوتة ، وأنّ أبرز أشكال الإساءة اللفظية الموجّهة من الزوج إلى زوجته هي الصراخ ورفع الصوت والتذمُّر من الزوجة.
توصلت «السبيعي» إلى أنّ أسباب حدوث الإساءة اللفظية إلى الزوجة هي عصبية الزوج واعتياده على توجيه الإساءة اللفظية إلى زوجته، هما أبرز مُسبِّبين لحدوث الإساءة اللفظية للزوجة.
في رأيي أنّ مسألة اعتياد الزوج يمكن تسميتها العنف المتوارث الذي كان الزوج يوماً ضحيته وتعوّد عليه ووجد فيه الطريقة المثلى لمواجهة المشكلات وحلها، ووضع حد لكل ألوان الاختلاف مع الآخرين.
الأزمة الحقيقية أنّ الرجل الذي يعنف زوجته لفظياً، لا يدرك إلى أي مدى يمكن للعنف اللفظي أن يؤثر على الحياة الزوجية بأكملها.
دراسة الباحثة التي بالفعل قدمت تصوراً لخطورة العنف اللفظي من قِبل الزوج على زوجته في المجتمع السعودي، خلصت إلى أنّ «العنف اللفظي يترك أثراً سيئاً في نفسية الزوجة، يتمثل في النفور العاطفي من الزوج، أو مُسايرته عاطفياً لكي تستمر الحياة الزوجية، كما أنّ الزوجة قد تتعرّض لفتور جنسي كرد فعل لما يحدث لها من إساءة».
مشكلة البعض من الأزواج أنه سبب رئيسي للمشاكل في الأُسرة، بينما هو يبحث عن الأسباب خارج مسؤوليته ليسقطها على الزوجة، ليدخل الطرفان في حلقة مفرغة ينضم إليها الأطفال بشكل أو بآخر.
العنف اللفظي تجاه الزوجة ليس مجرّد كلمات تطير في الهواء إنما هو مثل الشوكة تبقى في حلق المعنّفة، فلا هي تبقيها حية ولا هي تميتها فرفقاً بها.