فاصلة:
(الأحلام لا تبثها الأحداث دائماً). - حكمة يونانية -
منذ سنوات قرأت لغادة السمان مقولة لا زلت اذكرها «اذا أحببت كاتبا لا تقابله» وقبلها قالت العرب «سماعك بالمعيدي خير من أن تراه» وقد كان المعيدي من رجال العرب المشهورين بالمروءة والكرم والشجاعة والحكمة، لكنه لما ذهب الى الخليفة الذي طلب رؤيته لفرط ما سمع عنه كان يرتدي ملابس رثة، حينها نظر اليه الخليفة وقال: (سماعك بالمعيدي خير من أن تراه).
الخطأ لم يكن في مظهر المعيدي المخالف لسمعته فهو ما زال كريما وحكيما لكن الخطا كان في خيال الخليفة ولذلك احسن المعيدي حين قال له:
«ياأمير المؤمنين العباءة لاتكلمك وانما يكلمك من فيها ومالي صرفته في قومي ودون عرضي، فإن شئت كلم المعيدي وإلا فمصحوباً بالسلامة».
بعض المثقفين سواء كانوا كتابا او شعراء او رسامين قدرهم مثل المعيدي فهم يرتبطون في ذهنية المتلقي بما تحمله نتاجاتهم من قيم وأفكار إبداعية جميلة، غير ان المتلقي لا ينتبه الى انهم بشر وليسوا ملائكة، ويستمر في تأطيرهم في قالب من المثالية خاصة في ظل انخفاض مستوى وعيه.
الهالة التي يرسمها المتلقي للمثقف الذي يتابع نتاجه ويبهره ابداعه هي نفسها التي تتسبب في صدمة المتلقي نفسه حين يحتك بشكل مباشر مع المثقف في قنوات الاتصال العامة.
لذلك كان المثقفون في الماضي يعيشون في أبراج عالية ويحرصون على ألا تكسر هذه الهالة حتى ان بعضهم لا يظهر كثيرا في لقاءات تلفزيونية، لان لقاءه في التلفاز يكشف عن شخصيته امام الجمهور اكثر من لقائه عبر الإذاعة او الصحف والمجلات.
اليوم لم يعد هناك مفر من تواجد الكاتب امام جمهوره بعد ان غزت مواقع التواصل الاجتماعي الحياة، ومع ذلك ظل عدد من المثقفين بعيدا عنها لأسباب خاصة بهم، لكن جزءا منها هو الحفاظ على مساحة محددة بينهم وبين القارئ لا يريدون تقليصها بالتفاعل المباشر معه.
في المجمل من النادر ان تقابل الكاتب او الفنان الذي انت معجب به وتزداد اعجابا به ليس بسببه بل بسبب الهالة التي وضعتها له والاطار المثالي الذي سجنته فيه، لذلك كلما كنت اكثر وعيا بكاتبك الذي تحب كلما تخلصت من تقييده بالصورة المثالية التي وضعتها له في رأسك ويتحمل هو مسؤولية ان يكونها والا اسقطته من دائرة اعجابك.
النصيحة المثلى هي الا تقابل الكاتب الذي تحب او الفنان الذي يمتعك بفنه اجعله في زاوية بعيدة عن الواقع لا تعرف شيئا عن ماضيه ومواقفه الفكرية والثقافية، فقط كن على تواصل مع ابداعه.