من منّا لم يثره ويزعجه ما يحدث الآن في اليمن الشقيق، حيث مشاهد التطورات الخطيرة والغريبة والغامضة معاً تتصدر أخبار وتحليلات وسائل الإعلام العربية والعالمية أمام صمت دول العالم المؤثرة بالسلم العالمي، كما لو أن ما يحدث هناك يمكن تصنيفه على أنه الأقل أهمية مما تموج به المنطقة من أوضاع مأساوية أخرى، فيما أن ما يجري في اليمن قد يكون مرشحاً نحو المزيد في تأثيره السلبي على الأوضاع في اليمن وعدد من الدول العربية الأخرى.
***
مجموعة صغيرة من الحوثيين - حين مقارنتها بالمذاهب الأخرى - تتحرك بحرية كاملة بثيابها الرثة من صعدة باتجاه عمران إلى صنعاء ثم الحديدة فمأرب وإب وتعز وغيرها، ليتم الاستلام والتسليم دون قتال، أو مقاومة، أو حتى ولو حضوراً أو ظهوراً رمزياً للجيش والأمن، بينما تشتعل الحروب في مناطق أخرى بعيداً وقريباً من اليمن، والعالم منشغل عنها مع داعش الإرهابية.
***
ماذا بقي إذاً لليمن بعد كل ما حدث من مقومات الدولة، طالما أن الحوثيين قد سيطروا على كل مفاصل الحياة والقوة في اليمن الشقيق، حيث استولوا على مخازن الأسلحة، والمال العام، وفرضوا أجندتهم، واستلموا المؤسسات، وفرضوا الأمر الواقع بتعيين القيادات العليا الموالية لهم في المناصب والمواقع والقطاعات بما ينسجم مع الوضع الجديد في اليمن.
***
الانتظار الطويل المريب دون أي تدخل دولي هو ما ساعد ويساعد الحوثيين لاستكمال المخطط المشبوه الذي سيكون عليه اليمن في المستقبل، وحينئذ لن تتمكن أي قوة في البر أو في الجو أو في البحر من تغيير الواقع الخطير الذي استجد، فيما أن التدخل المبكر لو كان قد تم قبل احتلال صنعاء وسقوط الحديدة، لبقي اليمن لكل اليمنيين دولة حرة ومستقرة، رغم ما كان يعانيه ولا زال من خصومات وخلافات وأطماع بين القبائل هناك.
***
نعم، هناك دعم ومساندة من إيران، وربما مباركة من دول أخرى، وقد تكون الدول الكبرى غير معنية أو قلقة مما يجري من حراك حوثي خطير كهذا الذي نراه، يؤكّده هذا الصمت المريب والغياب الكامل من هذه الدول ومن مجلس الأمن، ما يعني أننا أمام حالة ينبغي على الغيورين في أمتنا أن يكشفوا عن غموضها، وما ستؤول إليه من تداعيات قبل تطور الأوضاع بأكثر مما هي عليه الآن في اليمن الشقيق.
***
إن الخوف من أن يمتد هذا السرطان إلى بقية أعضاء الجسم العربي - أعني الدول العربية - هو خوف طبيعي ومشروع، طالما أن التعامل مع الوضع في اليمن يتم بهذا الاسترخاء وعدم الاهتمام، مكتفين بكلمات قد تذروها الرياح، إن لم تفعّل بمواجهة ما يجري وفق رؤية حكيمة وصحيحة وفاعلة، حتى ولو تطلب الأمر التدخل المشروع لإنقاذ اليمن من هذا التردي الذي يطوق حاضره المشاهد ومستقبله الغامض.
***
أعرف أن هموماً كثيرة كهذه مقلقة ومخيفة لنا، وأن التوجس مما يجري في اليمن هو في مكانه الصحيح، ما يعني أهمية مراقبة الموقف والتطورات، والتحسب لتداعياته وتمدده، فأمن اليمن من أمن دول المنطقة، وما يجري الآن لا يمثِّل خطراً على وحدة اليمن واستقراره وأمنه فحسب، وإنما يشكل خطراً على الوضع في جميع دول المنطقة، وقد يكون هذا ما تريده إيران، ومن يدور في فلك مؤامراتها.