زار وفد من مجلس الشورى «حائل» المدينة، قبل أسابيع معدودة، وعلى وجه التحديد 25-27 / 11 / 1435 للهجرة، وكان من المحطات التي لفتت الانتباه في هذه الزيارة الرسمية «جامعة حائل»، حتى أن غالبيتهم وبلا تردد كرر عبارة سمعتها بنفسي من رئيس الوفد وعدد من الشوريين « ما كنا نتوقع هذا الشيء في جامعة ناشئة «!!.
إن القراءة الأولية لهذه العبارة تحتمل:
* إنها عبارة مجاملة،جاءت في سياق الثناء ذي الصبغة الاجتماعية التي يراد منه مد جسور الكلام والتشجيع على المضي قدماً في هذا المضمار أو ذاك،وهذه – المجاملة - في نظري لا يمكن أن تكون من فريق جاء خصيصاً لمعرفة الواقع مشاهدة لا مشافهةً و»ليس من رأى كمن سمع»،علاوة على أن هذه العبارة أو مرادفاتها لم تكن متكررة في جميع محطات الوفد الزائر طوال أيام تواجده في المنطقة – كما نقل لي البعض من الزملاء المرافقين للوفد-.
* إن فيها استكثاراً لما هو موجود على جامعة ما زالت في سنواتها الأولى، فالجامعة لم تكمل عقدها الأول بعد، واستبعد شخصياً هذا الشيء على أناس اختارهم ولي الأمر ليكونوا عنواناً جميلاً من عناوين الوطن البارزة.
* إن كلمته جاءت في سياقها الطبيعي الصادق الذي ينم عن روح المفاجأة لما شاهدوه خلاف ما كان منطبعاً لديهم جراء التقارير التي تصلهم عن التعليم العالي بمؤسساته المختلفة دون الدخول في التفاصيل، وهذا هو الذي يترجح لي مما يدلل على أن سقف التوقعات لدى النخب فضلاً عن العامة لما في هذه الجامعات دون مستواه الحقيقي «متدنٍ»، وأن هناك هوة تتسع وتضيق بين ما هو مكتوب وما هو معاش داخل مدننا الجامعية،والواجب على الإعلام، والقيادات الأكاديمية، وأصحاب الرأي المسموع، وأهل الاختصاص والدراية ردم الهوة بين هذا وذاك حتى تنصف هذه المؤسسات الأكاديمية الوليدة.
ولكن.. إذا كان هذا من أناس يجلسون تحت قبة الشورى، ويحملون أعلى الشهادات وربما من أعرق الجامعات العالمية، ولغالبيتهم ارتباط وثيق بالمجتمع الأكاديمي، ويعيشون زمن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي هو عهد التعليم بامتياز.. فماذا عسى أن يقول غيرهم؟!
بصدق وبناء على ترجيحي للاحتمال الثالث كنت أتطلع وما زلت لأن يكون ما قيل داخل أروقة الجامعة يظهر في وسائل الإعلام المختلفة التي لها دور مباشر وقوي في بناء صورة ذهنية إيجابية أو حتى حيادية لدى المتلقي..فأعضاء الشورى في الغالب لهم صوتهم المسموع لدى شريحة عريضة في المجتمع السعودي أكثر من غيرهم حتى ولو كانوا من شريحة المثقفين والأكاديميين، فضلاً عن أن يكون الكاتب أو المتحدث من منسوبي إحدى الجامعات محل الحديث فالاتهام له قد يكون جاهزاً مقولباً مسبقاً بلا برهان أو دليل واضح بين.
إنني اعتقد أن كثيراً من جامعاتنا السعودية التي تنعت بأنها ناشئة فيها مبادرات رائدة وأعمال ناجزة وأبحاث علمية متميزة ومن الظلم غض الطرف عنها أو التقليل من هذه الجهود المبذولة، سواء في باب البحث العلمي أو خدمة المجتمع، فضلاً عن التدريس الجامعي مع الاعتراف بأنها ما زالت في مرحلة البناء والتكوين الأكاديمي والإداري والمعماري، ولذا فإن عقد المقارنة بينها وبين الجامعات العريقة على المستوى الوطني أو تلك الجامعات العالمية ذات الصيت والسمعة ممن تجاوز عمرها الفعلي عدة قرون فيه من عدم الإنصاف ومجافاة العدل ما فيه، فالزمن وتعاقب الأجيال الأكاديمية عامل أساس في اكتمال لبنات بناء المؤسسات الجامعية تدريساً وبحثاً وخدمياً.
نعم هناك عقبات وتحديات ربما ولدت أخطاء وتجاوزات لدى بعض هذه المؤسسات الأكاديمية الجديدة إلا أن المخرجات النهائية والمبادرات البحثية والمشاريع الطلابية والمباني الجامعية على وجه العموم لا التخصيص تبشر بخير – في نظري – مع أن الطموح كبير والتطلعات والآمال عريضة والدعم المادي والمعنوي الذي تلقاه هذه الجامعات من لدن القيادة الحكيمة لا حدود له.
شخصياً متفائل بأن ما ينشده خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وما يتمناه كل مواطن حريص غيور من أن هذه المؤسسات الأكاديمية مشاريع تنموية لا تعليمية سيتحقق عمّا قريب، وسنرى آثار هذا الغراس وثمار هذه الجهود يانعة ناضجة بإذن الله، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.