دخلت ذات يوم على أحد البنوك، وكان قريباً من البــاب الرئيس مكتب خـــاص يجلس به شخص عزيز وصديــق حبيب، أمرّ عليه مسلِّماً غالباً، وفي هذه المرة ألحّ عليّ بالجلوس مبدياً تقديم خدمات البنك وأنا جالس عنده أشرب الشاي.
كان يجلس في الكرسي المقابل للكرسي الذي جلست فيه رجل مسن يستشيره في شراء أسهم ويسأله عن حركة الريال في هذا اليوم، وما أن أنهى صاحبي مشورته حتى طأطأ المسن رأسه وهو يبتسم ويقول «خل نشاور المره، وأرد عليك»!؟
تعجّبت بصدق من هذا القول ولا أدري حينها هل قال هذا الكلام مازحاً أم جاداً، وما أن أنهى كلمته هذه حتى نظر إليّ وكأنه ينتظر مني التعليق والتعقيب على ما قال.
أبديت إعجابي الشديد بشخصيته التي تحترم الزوجة وتشاورها بأمر قد يكون بعيداً عن اهتمامها وهي كبيرة سن غالباً، خلاف ما نعرفه عن الرجل الشرقي عموماً والسعودي على وجه الخصوص، وأنا في داخلي انتظر منه المزيد إذ ما زال في الموضوع بقية، وتبادر لذهني حينها أنه متزوج جديد ولديه زوجة تصغره بعقدين أو ثلاث.
علّق على ما أبديت بقوله «ما هو حنا اللي نشاور حريمنا»، وكأنه في محاولة جادة لاستدراك ما ذهب إليه حذراً من أن أنقل عنه ما لا يرضاه لجيله، ولمن هو في سنه مع أنني حتى هذه اللحظة لا أعرف من هو.
استمر الحوار بعد أن عرّفته على نفسي تلبية لرغبته، قائلاً له: إنّ الرجال في هذا الأمر ثلاثة:
* رجل لا يمكن له أن يفعل شيئاً إلاّ بعد أخذ رأي زوجته حتى ولو كان الأمر محل الاستشارة وأخذ الرأي خارج اهتمامها وليس له صلة بحياتهما الزوجية، وربما مبعث ذلك أنها هي من يصرف على بيت الزوجية، تدفع راتبها من أجل ضمان استمرار حياتها في كنف رجل، أو أنها ذات رأي سديد ومشورة ناضجة أو....
* رجل لا يستشير زوجته ورفيقة دربه وأم أولاده بأي شيء حتى في القرارات ذات الصلة المباشرة بكيانهما الأُسري، فهي لا تعرف أي شيء عن حركته المالية وعلاقاته العائلية وسفراته وصداقاته وجلساته وتخطيطه المستقبلي.
* الرجل الوسط وهو من يستشير زوجته في الأمور التي تهمها وفي دائرة الإدراك، وكل يعرف طبيعة زوجته وذوقها وملكاتها وقدرتها على كتم السر وحسن التدبير والتخطيط المستقبلي.
ومن باب الاستطراد وحتى أبين وجهة نظري في هذا الموضوع الحساس اجتماعياً، أوردت مثلاً حياً يعيشه كل واحد منا عند تشييده بيتـه وبناء مسكنه، إذ إن من الأهمية بمكان إشراك الزوجة في اختيار الألوان والأثاث والموقع و.... فهي من سيبقى أطول وقت من الرجل داخل أروقة هذا المكان، خاصة ما له صلة مباشرة بمهامها كربة بيت.
مجتمعياً تُعَد هذه القضية إشكالية متجذّرة في جسد الثقافة الشعبية، إذ إنّ هناك منا من ما زال يعتبر هذا السلوك «مشاورة الزوجة» خرقاً في مروءة الرجل وانتقاصاً في قوامته وضعفاً في قدراته وعجزاً بملكاته ومداركه العقلية،، وذلك خلاف من يظن أنّ هذا الموضوع ليس من الأهمية بمكان، أرى أنّ من الواجب الانبراء لهذا الموضوع والتوعية فيه والتثقيف، فالزمن غير الزمن والعلاقات في نمو وتطور واختلاف، وحق الزوجة أن تكون شريكة في بناء لبنات الحياة الأُسرية مادّيها ومعنويّها خاصّها وعامّها حاضرها ومستقبلها صغيرها وكبيرها، بهذا تسعد كياناتنا الصغيرة وننعم بالأمن الاجتماعي، ويشعر الزوجان بأنهما شركاء في النجاح،، دمتم بخير،، وتقبلوا صادق والسلام.