يبدو أن تأثير رئيس الوزراء السويدي أولوف بالمه الذي وقف الى جانب الشعوب المقهورة والمحتلة ومنها الشعب الفلسطيني مازال قويا رغم رحيله عن هذه الدنيا عام 1986 م. ففي ليل الثامن والعشرين من فبراير من ذلك العام وعندما كان خارجا من احدى دور السينما بصحبة زوجته وبدون حراسة كما هي عادته أطلق عليه رجل عدة رصاصات أردته قتيلا.
هذا الزعيم السويدي الذي صقلته تجارب حياته الصعبة والثرية والذي فقد والده حين كان في الخامسة من عمره، ومرض في طفولته مما اضطره للمكوث على السرير الأبيض وبالقرب من الكبار والتعلم منهم. كما تعلم من أمه الطبيبة ذات الأصل الالماني عدة لغات، ومن ثم استأنف تعليمه في بلده ثم في أمريكا، فعايش التجربة الرأسمالية وخبر تلك الشيوعية فنادى بالديمقراطية الاشتراكية كما هو عليه الحزب الذي ترأسه وهو الحزب الديمقراطي الاشتراكي. ترى من وراء مقتل اولوف بالمه وله مصلحة في رحيله؟، سؤال مازال يبحث عن إجابة حتى يومنا هذا ولم يغلق ملف قضيته بعد، وان كان المستفيد اكثر من جهة حسب كثير من المحللين، هل هي الصهيونية، خصوصا انه وجه دعوة الى ياسر عرفات الزعيم الفلسطيني عام 83 لزيارة السويد واستقبله حينها. هل حديثه بإعجاب عن الاسلام وأخلاق اتباعه ودعوة السويديين الى التعرف على هذا الدين، الى جانب خروجه بدون حراسة وتبسطه في حياته اليومية، جعل الدوائر المسيحية ذات التوجه الصهيوني تخطط وتنفذ اغتياله. أم سعيه الى جعل الدول الاسكندنافية خالية من السلاح النووي مما يتعارض مع اهداف حلف الناتو هو ما جعل دولا في الحلف من بينها امريكا وبريطانيا تفكر في التخلص منه؟. عدة نظريات وتحليلات ماتزال تدور حول من وقف خلف اغتيال هذا الزعيم المثقف والفذ صاحب الكاريزما المؤثرة سويديا ودوليا أولوف بالمه.
اليوم، والسويد في طريقها للاعتراف بفلسطين كدولة، كأنها تستلهم مبادئ هذا الرجل اللامع في تاريخ السويد، إنما وحتى لا نجافي الواقع، فإن الحرب على غزة هذا الصيف قد عرت حكومة الاحتلال امام العالم وبينت في ظل الاعلام ووسائله الاجتماعية والالكترونية الجديدة فظائع هذا الكيان وأزماته الايديولوجية والوجودية، وجعلت دولا عديدة تعيد النظر في سياساتها القديمة، ومنها السويد. خسر الفلسطينيون الارواح والبيوت دون شك، ودمر القطاع وتحول الى خراب، لكن لم يتوقف قلبه قط وظلت الروح حية وها هو القطاع وأهله الباقون ينفضون عن كواهلهم تراب الأنقاض كما يفعل طائر الفينيق الأسطوري لانتشال ما تبقى لهم من وسائل الحياة وإعادة اعمار ما تهدم بعون الله ثم بدعم اخوانهم العرب وأصدقائهم من دول عالمية عدة. انما كما ذكرت آنفا لم تسل الدماء هدرا فهي ثمن النصر وان تأخر، وما التفاتة العالم وهو يتابع العدوان على الشاشات والهواتف المحمولة والصحف إلا أول بشائر نيل هذا الشعب الصامد حقوقه. بطبيعة الحال وقبل تعاطف العالم وعونه لابد من وحدة مكونات هذا الشعب القيادية والسياسية، ولعل التئامها في غزة منذ أيام أول الغيث وبشارة العمل للهدف الاسمى بدل الشعارات والتحزبات الجوفاء.
حسن ادارة العلاقات والإعلام وشرح العرب لقضاياهم ومنها القضية الكبرى الفلسطينية هو ما يعوزهم من قبل وحاليا، وبداية تفهم دول اوروبية كالسويد وفرنسا واللتين ستؤثران في بقية دول الاتحاد الاوروبي مما يمنح العرب سندا لا يستهان به، كل هذا وغيره يحسن بالفلسطينيين والعرب معهم ايلاؤه العناية وحسن التواصل، وما ضاع حق وراءه مطالب.