لم تتعرّ (إسرائيل) أمام أنظار العالم وينكشف زيف ادعاءاتها من قبل كما حدث في حربها الأخيرة على غزة. وهي من بين أشد ما يخشاه الإعلام والفن وأهله إذا اكتشفوا حقيقتها وانزاحت المساحيق التي تجيد وضعها على وجهها القبيح بفعل نوبات حقدها وسورات جنونها وهي تقتل وتدمر وتخرب.
ولشد ما يشعر المرء بشيء من العزاء مع الاحترام لتلك المجاميع من الفنانين الأسبان والذين فضحوا وأدانوا العدوان الصهيوني الأخير على غزة، في رسالة مفتوحة وقّع عليها مائة فنان أسباني ما بين ممثل ومخرج ومنتج، وعلى رأسهم بنيلوبي كروز الممثلة الهوليودية المشهورة وزوجها المماثل لها خافيير بارديم، إضافة إلى المخرج الأسباني الشهير بيدرو المودوفار وغيرهم.
معلوم تأثير النجم حتى ولو كان لدينا تحفظات على معايير تلك النجومية، أقول معلوم تأثيره على الجماهير شبابها وكبارها حتى إن كان في المجال الفني أو الرياضي أو الإعلامي، وكذلك تأثير العلماء والمفكرين والإعلاميين وغيرهم، طالما حاز كل هؤلاء على جماهيرية عريضة في مختلف الدول ومن مختلف الثقافات والأعراق. ولقد شاهدنا ونشاهد كيف أن ثورة الاتصالات ساعدت بشكل متعاظم في هذا التأثير والتواصل ما بين النجم والجماهير، فترى في مواقع التواصل على الشبكة العنكبوتية أنّ الجماهير تعيد (تغريدة) من بضع كلمات كتبها شخصية جماهيرية قبل لحظات فما تلبث إلاّ وتنتشر في فضاءات العالم، شاء الموافقون أم أبى المعترضون.
وعوداً على الأسبان، فلم تقم الدولة الأسبانية علاقات دبلوماسية مع (إسرائيل) إلا أوائل الثمانينيات من القرن المنصرم، إلى جانب اليونان ومالطا وعدد لا بأس به من الدول في أمريكا اللاتينية وإفريقيا، إلا أنّ العرب وللأسف لم يستغلوا هذا التعاطف ولم يحسنوا إدارة علاقاتهم بأولئك الذين وقفوا إلى جانب الحق العربي ضد الصهاينة، إلى أن جاءت الاتفاقيات الهزيلة بدءاً من أوسلو مروراً بما تلاها من اتفاقيات أعطت الصهاينة الوقت لمزيد من المكاسب، ولترويض المتحفزين من العرب لاسترداد الحقوق المسلوبة. ولا عجب إذا تعاطف الأسبان على كل حال فالدماء العربية تجري في عروق أكثرهم، لكن ما يدعو إلى الإعجاب والاحترام، هو هبة هؤلاء الفنانين الأسبان لتقريع الصهاينة والدعوة لرفع الحصار عن غزة المكلومة، بينما نشاهد الفنانين العرب يتسابقون لإقامة حفلاتهم وكأنهم يسكنون في كوكب المريخ ولم يسمعوا أو يشاهدوا ما يحدث في غزة أو حتى في سوريا والعراق وغيرها. هذا الموقف النبيل من حس مرهف يفترض أن يكون لدى الفنان والنجم أياً كان مجاله جسّده أولئك الفنانون الأسبان، وبشعور إنساني للأسف لم نره في فنانين عرب كثر لطالما ادعوا النجومية أو نصبهم جمهور مغلوب على أمره نجوماً، في ظل انسداد الأذن الموسيقية على كل حال، وإلاّ أين الفن أيام السبعينيات وما قبلها من فن أيامنا هذه، وقل المثل عن التمثيل وحتى الرياضة، إلا استثناءات هنا وهناك بين فترة وأخرى على قلتها.
هل غلبت (إسرائيل) في حربها الأخيرة على غزة ؟، نعم غلبت، لكنها لم تنتصر، بل إنّ خسائرها تتعاظم معنوياً وإعلامياً على المستوى الدولي وهذا أخشى ما تخشاه. دمرت غزة بالكامل وسحقت بنيانها ودكّت بنيتها التحتية، لكنها لم تهزم روح شعبها الذين عادوا إلى بقايا بيوتهم في إصرار عجيب وملحمي يلهم الفنانين على نسج أعمال مبدعة، بل وأن يقفوا موقفاً نبيلاً تحركه الأحاسيس الإنسانية المرهفة، كما وقفت بنيلوبي كروز وخافيير بارديم، شكراً لكم.