مفارقة عجيبة ربما تلفت انتباه أي مسلم، أو أي أحد، في هذه الأيام! ففي الأراضي المقدسة يلتقي زهاء ثلاثة ملايين مسلم لأداء فريضة الحج، وفي مشارق الأرض ومغاربها يتحلق حول شاشات التلفزيون مئات الملايين من المسلمين الذين يتابعون الحجيج وهم يؤدون مناسك الحج. ورغم ما في هذا التجمع الإسلامي الكبير من رمزية بالغة ومؤثرة عن وحدة المسلمين وصفاء قلوبهم وتكاتفهم ووحدة هدفهم، إلا أن واقع الحال في البلدان الإسلامية أبعد ما يكون عما تمثله تلك الرمزية!!
أوضاع مأساوية تسود البلدان الإسلامية بشكل يحيِّر العقول والأفهام! هناك حروب ونزاعات أهلية في كل مكان من ديار المسلمين، وللعرب نصيب الأسد من هذه المصائب. حتى فلسطين، رغم وضوح الهدف وهو تحرير الأرض التي احتلها الصهاينة، هناك خلافات سياسية عميقة جعلت مجرد التنسيق بين الأشقاء أمراً مستحيلاً! وفي العراق وسوريا وليبيا واليمن يتقاتل أبناء البلد الواحد وكأنهم ألد الأعداء، أما في الصومال فلم يعد هناك بلد ولا حكومة ولم يعد أهل الصومال يجدون ما يسد جوعهم فضلاً عن الخدمات المفقودة تماماً والأمن المعدوم حتى صار الموت أفضل من الحياة!
وحتى البلدان التي سَلِمَتْ من الحروب الأهلية ليست بمنأى عن المشاكل العميقة والخطيرة فهي تعيش حالة من الغليان القابل للانفجار في أي وقت والتحول إلى عنف مسلح وحرب أهلية. هناك، في عالمنا الإسلامي، أزمات اقتصادية وخلافات سياسية وبؤس إنساني بلا حدود على الرغم من الإمكانيات الكبيرة التي تتمتع بها البلدان الإسلامية من موارد بشرية وطبيعية ومالية!
أصبح المسلمون في مؤخرة الركب على الساحة العالمية، فلا صناعة ولا تقنية ولا تقدم يقارب مما حققه عدونا التاريخي: إسرائيل! سقط المسلمون في مستنقع التشدد والإرهاب والخلافات البينية وإيذاء النفس وصارت بنادقهم موجهة إلى صدورهم بدلاً من العدو، ففقدنا تعاطف العالم وأصبحنا رمزاً للجهل والتخلف والعبثية.
هذه الصورة المُعتمة والكالحة من التشرذم تتناقض تماماً مع الرمزية الجميلة التي يبدو عليها حجاج بيت الله بأزيائهم الموحدة ومشاعرهم المتوجهة إلى ربٍ واحد. أفلا يدل ذلك على انفصال المسلمين عن المعاني الحقيقية لدينهم العظيم؟ هل أننا أصبحنا نتعامل مع ديننا على أنه مجرد طقوس ننتهي منها بمجرد أدائها دون أن نتمثلها في حياتنا كأفراد ومجتمعات!؟
مفارقة عجيبة يصعب فهمها بالمنطق السوي ولا تعني سوى شيء واحد هو أننا -كأمة- نعاني من حالة فصام حاد وقطيعة فعلية مع المعاني الحقيقية للحج وللدين الإسلامي.