بمناسبة اليوم الوطني تتبادر إلى الذهن أسئلة كثيرة عن معنى الانتماء الوطني، فهل ينحصر الانتماء الوطني في الانتساب الشكلي إلى بقعة من الأرض نسميها الوطن أم يتجاوز ذلك إلى مساءلة النفس ومحاسبتها بشكل مستمر عما يفعله الإنسان لوطنه وما ينبغي أن يفعله؟
إن المسافة بين ما يفعله الإنسان من أجل وطنه وما ينبغي أن يفعله قد تكون كبيرة جداً، فمهما فعل الإنسان من أجل وطنه يظل مقصراً، لأن الوطن غال ويستحق أن تبذل من أجله أغلى ما تملك: حياتك! وهذا الكلام ليس عاطفياً، وربما أن أكثر من يُقدره حق قدره أولئك الذين فقدوا أوطانهم وتشردوا منها. فالإنسان بلا وطن، ببساطة، لا شيء!
معظم الناس الذي يقرأون ويكتبون ربما قرأوا أو سمعوا بخطبة الرئيس الأمريكي الراحل جون كندي عندما قال: «لا تسأل ماذا قدم لك وطنك، بل أسأل ماذا قدمت أنت لوطنك». وقد لا نحلم بأن نكون مثاليين إلى هذا الحد، لكن السؤال المشروع الذي يمكن أن يوجه إلى أي إنسان ينتسب إلى هذا الوطن، أي إلينا جميعاً، هو: هل نحن نقوم بما يفرضه الواجب في أداء أعمالنا الوظيفية وأدوارنا الاجتماعية حتى بالحد الأدنى!؟
هذا السؤال لا يوجَّه فقط إلى تلك الشريحة العريضة التي عادة ما تسمى «المواطنين» لأن أصغر مسؤول وأكبر مسؤول هم أيضا مواطنون، وهذا التقسيم الذي يتردد إعلامياً بين «المواطن» و»المسؤول» هو تقسيم وهمي، فالمسؤول هو في البداية وفي النهاية مواطن أيضا، وهو مطالب بأن يسأل نفسه في نهاية كل يوم هل بذل أقصى جهده لأداء عمله لكي يكون جديراً بالانتساب إلى «الوطن»؟ هل كان قدوة جيدة لمن يعملون معه بممارسة عمله بنزاهة وإخلاص أم كان مسؤولاً فاسداً متخاذلاً مقصراً؟
يستطيع الإنسان أن يمارس «مواطَنته» حتى في أبسط المواقف اليومية. فهو، على سبيل المثال، لا يكون وطنياً عندما يخالف أنظمة المرور وعندما يلقي بالمخلفات في الشارع أو الحديقة وعندما يتجاوز الآخرين في الطابور بالأمكنة العامة.
كل إنسان مطالب بأن يكون، وبشكل تلقائي، وطنياً؛ لكن أولئك الذين هم في موضع القدوة من خلال مواقعهم الوظيفية أو مواقعهم الاجتماعية مطالبون أكثر من غيرهم بأن تتجلى الوطنية في سلوكهم لأنهم عندما يتخاذلون ويخونون ويقصرون فإنهم يفتنون من يتعرض للظلم والحرمان أو حتى من يراقب سلوكياتهم وقد يدفعه ذلك إلى فقد الإحساس بالانتماء الوطني.
يا وطني العزيز: كل عام وأنت بخير، وكل عام وأنت إلى الأمام.