من المحزن أن المزارعين الحقيقيين، وهم عادةً صغار المزارعين، لا يستفيدون مادياً من إنتاجهم بما يوازي الجهد الذي يبذلونه، ولولا حبهم للزراعة وتعلّقهم بها لما استمروا في ممارسة النشاط الزراعي. ومن الحقائق المؤكّدة التي يعرفها كل من تربطه علاقة بهذه الشريحة من المزارعين هي أن الكثير منهم، وربما معظمهم، ينفق على مزرعته أكثر مما يحصل عليه من العائد المالي من جرّاء بيع منتجاته الزراعية! وهذا من أغرب أشكال الممارسات الاقتصادية حين يستمر الإنسان في إنتاج سلعةٍ ما وهو يعرف أن دخله من بيع الإنتاج أقل من تكاليف الإنتاج. أي أنه يحقق خسارة من نشاطه الاقتصادي ما لم يُدخل في حساباته لقياس العائد من النشاط ما يحصل عليه من «متعة» من جراء ممارسته للزراعة، وهي عند البعض متعة عظيمة لا تُقاس بـ«المال».
لكن المحزن أكثر من ذلك هو أن هذه الخسارة أو العائد المنخفض ليس بسبب رخص أسعار المنتجات الزراعية في الأسواق، فالمستهلك يشكو من الغلاء في الوقت الذي يشكو المزارع من ضعف العائد. وسبب هذه المشكلات كلها في الغالب هو كثرة الوسطاء بين المزارع والمستهلك! كل وسيط «يقضم» جزءاً من العائد فلا يتبقى للمزارع العادي إلا الفتات. واللافت للانتباه هو أن معظم هؤلاء الوسطاء هم من العمالة الأجنبية مما يمثّل هدراً للاقتصاد الوطني.
وعلى سبيل المثال، نجد أنه في بعض مناطق المملكة تشتري العمالة الأجنبية التمور بأثمانٍ بخسة وهي ما زالت رطباً في النخل، ثم تتولى كل العمليات اللازمة بعد ذلك من الألف إلى الياء بما في ذلك خرف النخل ونقل الإنتاج وتسويقه، وبذلك يحصل الوسطاء على نصيب الأسد من عوائد النشاط الزراعي ويُحرَمُ منه المزارع!
لقد استطاعت الكثير من المجتمعات أن تعيد للمزارعين حقوقهم من خلال تأسيس جمعيات التسويق الزراعي، وقد كانت هناك تجارب مبكرة في بلادنا لإنشاء جمعيات زراعية تعاونية، وحققت بعض النجاح في مجالات معينة لكنها فشلت في القضاء على مشكلات التسويق الزراعي ولم تنجح في مساعدة المزارعين الذين يفتقرون في الغالب إلى القدرات التسويقية والتعامل مع ألاعيب التحكم في العرض والطلب.
تذكّرت متاعب المزارعين والغبن الذي يقع على المستهلكين حين ذهبت مؤخراً إلى أحد الأسواق التي تُباع فيها التمور، فهالني ارتفاع سعر الرطب والتمور لأنني أعلم علم اليقين أن ما يذهب إلى جيب المزارع العادي هو الفتات القليل.
يجب على وزارة الزراعة واللجان الزراعية في الغرف التجارية أن تساعد المزارعين في إيجاد حلول لمشكلة التسويق الزراعي، فليس من المعقول أن يشقى المزارع ويتعب وأن يتم استنزاف مياهنا الجوفية ثم يكون المستفيد هم العمالة الوافدة لا المزارع المواطن.