(إن فاتك الحج أتمرغ في ترابه) مثل يتداول كثيرًا ويتردد في الحجاز خاصة في موسم وأيام الحج، التي نعيشها هذه الأيام، تذكَّرت المثل وصديقًا عزيزًا هو زميل في نفس الوقت يهاتفني من خارج الوطن ليسأل عن الحج وأعماله، بعد أن وجد نفسه غير مكلف بالعمل في موسم الحج لأول مرة في حياته الوظيفية، فاختار إجازة خارجية، ظنًا منه أنه سيرتاح طالما ليس هناك ما يربطه بالحج، وبالتالي يسلم من زحام مكة وصعوبة الحركة والتنقل فيها هذه الأيام، لكن الصديق المكي (لم يصبر) فقد أصبح الحج وأحوال الحجاج وأم القرى شغله الشاغل في سفره، إلى درجة أنّه لا يكتفي بالمتابعة عبر وسائل الإعلام أو التواصل الحديث وإنما يتحدث إلى زملاء العمل وأصدقائه المقربين ليسأل عن (التفاصيل الصَّغيرة) التي اعتادها في الحج وهو الذي درج طوال حياته، وحتى في طفولته ودراسته على أن يكون في مكة المكرمة إما (حاجًا أو داجًا)؛ والحج معروف وهو أداء نسك الركن الخامس من أركان الإسلام {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رجالاً وَعلى كلّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} الحج 27.
أما الداج فهي كلمة شعبية تطلق على من يكون مع الحجاج يقوم بخدمتهم طوال أيام نسكهم في مكة والمشاعر المقدسة، وهو ما تربت عليه الأجيال من أبناء الحجاز بشكل شبه عام وأبناء مكة المكرمة والمدينة المنورة بشكل خاص، وأصبح ديدنهم و(واجب) لا يفارقهم ولا يتركه الكثيرون منهم، سواء من كانت خدمة الحج (مهنتهم) مثل المطوفين والإدلاء، أو من تفرض أعمالهم ووظائفهم الرسمية (التكليف) والتفرغ بساعات عمل مضاعفة من أجل خدمة الحجاج من المدنيين والعسكريين، وهم عادة متعودون بل ومدرِّبون عليها جيّدًا بالتربية والتعليم من خلال سنوات بداياتهم مع أهليهم وحواريهم ولاحقًا في مدارسهم أو مع الأندية، حيث يتم تهيئة الكثيرين منهم من خلال الأشبال والكشافة أو الجوالة، أو حتى من خلال التكسب والرزق على طريقة (حج وبيع سبح).
في الحج ينخرط شباب الكشافة والجوالة في أعمال خدمة الحجيج عن طريق (المعسكرات) الخاصَّة التي تقام لهم لأداء أعمال خاصة لا يقوم بها سواهم وبكفاءة عالية، وتعود سنوات (معسكرات) الحج إلى ما قبل ستين عامًا تقريبًا، حيث إنها بدأت في أواخر السبعينات الهجرية وكانت في بداياتها مقتصرة على مجموعة من كشافي مكة المكرمة، ثمَّ شاركهم كشافون من جدة والطائف قبل أن تتحول إلى شكلها الرسمي المنظم في أوائل الثمانينات الهجرية، وتحديدًا في عام 1382 هجري تحت رعاية (جمعية الكشافة العربيَّة السعوديَّة)، ثمَّ توسعت وزادت وتنوعت أعمال (الكشافة في الحج) نهاية التسعينات بشكل كبير بعد دخول ومشاركة كشافة وجوالة الرئاسة العامَّة لرعاية الشباب التي أقامت أول معسكر لها عام 1396هجري (إن لم تخني الذاكرة) بقرار من سمو الرئيس العام لرعاية الشباب الأمير خالد الفيصل وأصبح التنافس كبيرًا بين الكشافين في الجهتين لتقديم الخدمات الخاصَّة بهم لحجاج بيت الله الحرام.
كلام مشفر
· «حاج ولا داج؟» كانت العبارة التي يسأل أهل مكة بعضهم بعضًا بها مع قدوم تباشير وأيام أو أشهر الحج، وأصبح مع تطوّر وتوسع أعمال الحج يرد فيها كلمة شبابية عند الإجابة على السؤال بعبارة.. (لا.. كشاف).
· الكشافون في السابق هم من أكثر الناس عطاءً في الحج وأهمية وقربًا من الحجاج خاصة في منى والمشاعر المقدسة، حيث يقومون بأعمال الإرشاد للحجاج، وكانت (الخرائط) والأدلة التي يعدها المعسكر الكشفي من أهم الأدوات التي يقتنيها رواد المشاعر حجاجًا ومسؤولين وعاملين وغيرهم.
· كان المسح الميداني وجمع المعلومات وإصدار (دليل الإرشاد) للمشاعر ودليل الشرائح أهم ما يقوم به الكشافة، وتطورت مع التقنيات الحديثة إلى إصدار الخرائط الإلكترونية وأدلة المشاعر التي تطرح كتطبيقات على أجهزة الاتِّصال الذكية.
· رغم توسع وتنوع وازدياد أهمية الأعمال التي تقوم بها معسكرات الكشافة إلا أنها من أقل الجهات التي تحظى بالاهتمام والأضواء الإعلاميَّة وتجاهل كثيرًا من التطوُّرات التي أدخلت في أعمال الكشافة.
· تطوّر كل شيء في عمل ومعسكرات الكشافة التي يزيد عمرها على الستين عامًا، سوى شيئين مهمين جدًا؛ الأول هو (الزي الكشفي) الذي يعد تقليديًا ورداءً عالميًّا متعارفًا عليه.
· أما الثاني فهو المقابل أو المكافأة المادِّية التي تقدم للكشافة التي قد لا يصدق القارئ أنها ما تزال كما (تقريبًا) منذ أقرّت أول مرة، ولم يكن ليقبل بها أو ينظر إليها أيّ إنسان قبل الكشاف لولا أنّه في حقيقته وقرارة نفسه (إنسان داج).