في 2009، غادر الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن البيت الأبيض، في ظل ظروف سيئة، فلم تكن سنواته الأخيرة بالبيت العتيد مما يفخر به، فقد كان العراق يغرق بالدمار، والاقتصاد الأمريكي شبه منهار، وكانت وسائل الإعلام تلاحقه ليل نهار، وتسخر منه، ولولا شجاعته، وعدم اكتراثه بما يقوله الآخرون لربما أصيب بانهيار عصبي، وكان ساعده الأيمن في كل ذلك نائبه المحافظ، والصقر اليميني الشرس، ديك تشيني، الذي يعتبر واحداً من أقوى نواب الرؤساء، إن لم يكن أقوى نائب رئيس عبر التاريخ الأمريكي، الممتد لأكثر من مائتي عام، ولا جدال في أن تشيني كان هو العقل المدبر لرئيسه بوش الابن، وهما يتفقان في صفات كثيرة على أي حال.
بوش الابن، وقبل مغادرته البيت الأبيض، قال إنه يعلم عن السمعة السيئة له، ولكنه واثق من أن التاريخ سينصفه، ولم يكن يدر بخلده أن التاريخ سينصفه، ولو جزئياً، بعد تركه الرئاسة بسنوات قليلة، وكان صاحب الفضل في هذا هو الرئيس الحالي باراك أوباما، فعلى مدى سنوات، وقبل أن يستفيق مؤخراً، بعد ذبح تنظيم داعش للصحفيين الغربيين، كان أوباما متردداً، ومهزوزاً حيال الأحداث العالمية، وخلال ذات الفترة، تنمّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مما حدا بمعظم المعلقين الأمريكيين أن يؤكدوا أن أوباما أفقد الولايات المتحدة هيبتها، واحترامها، وهو الرأي الذي ترسخ لدى مكونات شعبية لا يستهان بها، فالاعتزاز بالقوة يعتبر جزءاً رئيساً من شخصية المواطن الأمريكي، وقد استغل ديك تشيني هذه الفرصة للتذكير بعهد بوش الابن، والذي تميز بفرد أمريكا لعضلاتها كأسد جريح، وجبار أجبر كل العالم على احترام إرادته رغماً عنه، حتى ولو كانت هذه الإرادة هي احتلال دولتين، خلال أقل من عامين.
ديك تشيني، الذي يعتبر أوباما أسوأ رئيس أمريكي خلال حياته التي جاوزت السبعين عاماً، ألقى محاضرة قبل أيام، وقال إن أوباما يعتقد أن عدم تدخل أمريكا في شؤون العالم سيجلب السلام، وهذا اعتقاد خاطئ، فالعالم، حسب تشيني، يحتاج لقوة رادعة، ومهابة تتدخل عند اختلال الأمن والسلم العالميين، لأن هناك قوى شريرة، وخطرة، ستتسبب بانهيار الأمن العالمي، ما لم تشعر بأن هناك قوة ستردعها عن ذلك، فالمثاليات، يضيف تشيني، تصلح للعالم الافتراضي، ولا يمكن تطبيقها في العالم الواقعي، وتزامنت محاضرة تشيني مع تذكير القنوات الأمريكية المحافظة لمشاهديها بعهد بوش الابن، بل حتى بث خطبه القديمة، قبل، وبعد احتلال العراق، فهل يا ترى توقّع بوش أن ينصفه التاريخ بهذه السرعة، وهل سيتعلم أوباما الدرس، ويجعل مواجهته لداعش، ولنظام الأسد، بعد ذلك، نسخة من مواجهة بوش وتشيني للقاعدة، ولصدام حسين؟!