يعلم كل من يعشق رياضة العدو، أن أبطال المسافات الطويلة يتبعون استراتيجيات محددة، تجعل منهم أبطالا يعلقون الميداليات الذهبية في نهاية المطاف، ومن المسلّم به، لكل من يتابع هذا النوع من الرياضة، أن البطل يكون خلف الراكضين، في بداية السباق، ثم يبدأ استراتيجيته في الركض، والتخفيف منه، وزيادته، وعندما تتبقى مسافة قصيرة على خط النهاية، تجده في المقدمة، وغالبا يكون آخر الواصلين لخط النهاية هو الذي كان في المقدمة عند بداية السباق، ولطالما تابعنا ذلك في كل البطولات العالمية.
المملكة، في سياستها الخارجية، لا تركض بسرعة، ولا تتريث كثيرا، ولكنها غالبا تحصد النتائج المأمولة، وذلك عندما يقترب الفرقاء من خط النهاية، وهكذا رأينا كيف أنها، وبعد أن اعتقد كثيرون أنها خارج اللعبة، أصبحت حجر الزاوية في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، فقد كانت مدينة جدة، خلال الأيام الماضية، في دائرة اهتمام العالم أجمع، وذلك أثناء عقد اللقاء الهام، والذي حضره وزير الخارجية الأمريكي، السيناتور جون كيري، ومعه وزراء خارجية دول الإقليم المهمة، ومن جدة طار كيري إلى تركيا، ومن ثم إلى القاهرة، ليلتقي مع حليف المملكة الأكبر إقليميا، الرئيس عبدالفتاح السيسي، وقد تصدر اجتماع جدة نشرات الأخبار العالمية، بما فيها قناة فوكس الأمريكية المحافظة، والتي تحدثت عن لقاء جدة بالتفصيل، وعن دور المملكة الجوهري في هذا التحالف الجديد!.
هذا الاهتمام العالمي بلقاء جدة لم يرق لبعض القوى الإقليمية، والتي استبعدت من التحالف، إذ رأت أن خططها، وأحلامها منذ بداية التثوير العربي بدأت بالتلاشي، ولذا أعلنت معارضتها لضرب داعش من قبل التحالف الدولي، مع أنها كانت تدعو إلى ضربه قبل لقاء جدة!!، وهذا يعني شيئين، أولهما، أن لديها مشكلة في أن تكون المملكة هي حجر الزاوية في التحالف الدولي ضد الإرهاب، لدرجة أنها لا تمانع في بقاء، وتمدد داعش، طالما أنها ستكون خارج اللعبة، وثانيهما أنها أدركت أن مهمة التحالف الدولي قد تتعدى داعش، إلى نظام بشار الأسد، وهو ما سيقوض كل الجهود التي تم الدفع بها لحماية هذا النظام على مدى سنوات!.
نغمة معارضة ضرب التحالف الدولي لداعش راقت، على ما يبدو، للشيخ يوسف القرضاوي، والذي أعلن معارضته هو الآخر لضرب الغرب لداعش ، وبالمناسبة فإن الشيخ الذي يعارض ضرب تنظيم إرهابي مجرم يقتل المسلمين، هو ذاته، الذي ساند، بل ودعى لحلف الناتو، أثناء ضرب الحلف لدولة ليبيا المسلمة، والمستقرة حينها، وهو تناقض لا يستغرب من أقطاب الإسلام السياسي، ولعلنا نذكر القرضاوي، ختم الله لنا وله بالخير، أن الغرب، الذي يعارض فضيلته ضربه لداعش، هو ذات الغرب الذي ضرب الصرب المسيحيين لصالح المسلمين في البوسنة، وعلى أي حال فإن التحالف الجديد يسير بخطى ثابتة، وسنرى إيجابيات ذلك على المنطقة، والعالم قريبا!.