عندما دخل تنظيم داعش إلى العراق، وبدأ عملياته هناك، وذلك بعد الهروب، وغير المفهوم حتى الآن، للجيش العراقي من الموصل، تعالت أصوات المعلقين، والكتّاب العرب بالزعم بأنّ ما يجري هو ثورة سنية معتدلة، وأنّ هناك من يريد أن يلبسها ثوباً متطرفاً لصالح شيعة العراق، وحينها نأت الولايات المتحدة بنفسها، إذ لو تدخلت في ذلك الوقت المبكر لاتهمت بأنها تدخلت لنصرة الشيعة، وقمع الثورة السنية الغاضبة على حكومة نوري المالكي، وهذا كان سيسبب إشكالات كبرى لا تخفى على صانع القرار الأمريكي، وذلك في ظل الصراع الطائفي المشتعل بالمنطقة.
أمريكا تريثت حتى تبين للجميع، بما فيهم السنّة، بأنه لا توجد ثورة سنية بالمعنى التقليدي للثورة، بل تنظيم إجرامي يعيث فساداً هناك، وذلك بعد المشاهد المروعة للقتل، والصلب، والجلد، والتي بثها تنظيم داعش، وما تبعه من تهجير للمسيحيين، والأيزيديين من مناطقهم في تصفية عرقية، ومذابح نقلتها شاشات العالم أجمع، ثم جاء ذبح الصحفيين الغربيين، وحينها أعلن الرئيس أوباما استراتيجيته، والتي نتج عنها تحالف دولي كبير لا يزال في طور الإعداد، وإمعاناً في الذكاء والحذر من قِبل إدارة أوباما ، فقد ساهمت إدارته في إزاحة نوري المالكي من منصبه، وحرصت على تشكيل حكومة وحدة وطنية، تظل رغم هناتها، أفضل من حكومة المالكي الطائفية، ولعلنا رأينا نتائج ذلك في حضور وزير الخارجية العراقي لاجتماع جدة، واستشهاد وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، بذلك الحضور، أثناء شهادته قبل يومين، أمام مجلس الشيوخ، وذلك عندما رفع بيده جريدة فيها صورة كبيرة، تجمع الأمير سعود الفيصل، مع نظيره إبراهيم الجعفري، التقطت أثناء لقاء جدة.
هذا التدخل الأمريكي من خلال التحالف الدولي تم توقيته، والإعداد له بعناية فائقة، وإذا كانت إدارة أوباما قد تلقت انتقادات واسعة فيما مضى، فإنّ عدم تدخلها المبكر في العراق، ومساهمتها الفاعلة في إزاحة حكومة المالكي، وتشكيل حكومة عراقية أفضل منها، ورسم استراتيجية لمواجهة تنظيم داعش، تشارك فيها مجموعة مهمة لا يستهان بها من دول العالم كلها تعتبر إنجازات تستحق الإشادة، ويبقى الأمل معلقاً بنجاح التحالف الدولي في القضاء على داعش، إذ إنّ الخبراء العسكريون لا زالوا يصرون على استحالة ذلك، دون تدخل بري، وهو الأمر الذي أكد أوباما أنه لن يحدث، ولا تكمن أهمية القضاء على داعش في وأد هذا التنظيم الإجرامي، بل إنّ التحالف الدولي، وتحديداً الولايات المتحدة، لن ترحل قبل أن تنهي الأزمة السورية، فقد سئم العالم أجمع مما يجري هناك، خصوصاً بعدما أكدت الإحصاءات أنّ عدد القتلى تجاوز المائتي ألف، وهو الأمر الذي يعتبر عاراً على المجتمع الدولي، وهذا سيكون أمراً عظيماً، فتبعات التثوير العربي وصلت إلى حد لا يمكن تجاهله، والأيام بيننا!.