سنحتفل معاً بعيد الوطن اليوم (28 من ذي القعدة) (23 سبتمبر) وهو اليوم الذي وقّع فيه المؤسس جلالة المغفور له الملك عبدالعزيز مرسوم توحيد مناطق المملكة تحت مسمى واحد هو المملكة العربية السعودية في عام 1351هـ (1932م).. وهي ذكرى عزيزة علينا جميعاً
ويجب أن تذكرنا دائماً بواجبنا تجاه الوجه بشكر الله على أمنه وأمانه وكافة نعمه، وأن نقوم بواجبنا على أكمل وجه بالأخص للوطن والحفاظ على ممتلكاته وإنجازاته.
وليس سرًا أننا نعيش في ظرف تاريخي دقيق، وفي منطقة تحف بها المخاطر من كل حدب وصوب، فهناك من يحسدنا على ما نحن فيه ويود أن يزعزع استقرارنا ويفرق جمعنا تحت ذرائع مختلفة منها ما هو طائفي، ومنها ما هو إرهابي بل أن المخططات قد تتجاوز المذهبية والإرهاب للسياسة والاقتصاد. وليس سرًا أيضاً أننا من البلاد القليلة التي لم تطالها أيادي الفتن والقلاقل وهناك الكثير من المتربصين ممن لا يعجبهم ذلك. ولذا فواجبنا جميعاً أن نلتف حول قيادتنا لنسهم في الحفاظ على وحدتنا ولنحافظ على مكتسباتانا التاريخية.
واليوم الوطني ليس للذكرى فقط، وليس مناسبة للاحتفال ولا شيء غير ذلك، بل هو تذكرة بواجبات الجميع تجاه تذكرة لجميع من المواطنين بكافة فئاتهم بضرورة بذل الغالي والنفيس للاستمرار في بناء الوطن والإخلاص له ووضعه دائماً نصب أعيننا في كل ما نقوم من نشاط أو عمل وأن نحول اليوم الوطني ليوم الإخلاص للوطن. فاليوم الوطني هو وقفة مع الذات لنراجع ما حققناه في العام المنصرم وما يجب أن نحققه في العام الجديد. وقفة مع الذات نراجع فيها أخطاءنا أيضاً ونضع الخطط والحلول لتصحيحها، فنحن لسنا مجتمع كامل، ولسنا دولة بلا أخطاء، ولذا يجب أن نكون جزء من العالم الواعي المتحرك الذي يسارع لتصحيح أخطائه والاستفادة منها في المستقبل، لا جزء من العالم الراكد الذي يدفن أخطائه وينام عليها، ويدفع ثمنها في كل مرة تبرز له مجدداً.
واليوم الوطني هو لحظة تأمل لواقعنا وواقع العالم من حولنا، لمراجعة مواقفنا منه، وموقعنا فيه. فالعالم من حولنا يتحول بسرعة مذهلة غير مسبوقة في التاريخ و في الجغرافيا تستفيد من فرصها دول وتكوى بسرعتها دول أخرى، والفائدة والغلبة دائما لمن يستطيع قراءة عناوينها ويستبق أحداثها، لا لمن يتجاهلها، أو يحاول إيقافها.
واليوم الوطني تذكرة للمواطنين ورجال الأعمل على وجه الخصوص بأن بناء الوطن والحفاظ عليه ليس مسؤولية الحكومة فقط، ولكنه مسؤولية كل من يعيش على أرضه وينعم بخيراته. وهي مسؤولية بطبيعة الأمر تتناسب طرديًا مع مدى الاستفادة من خيرات الوطن. وهنا يجب أن نتعلم من الدول الناجحة التي يتسابق أبناؤها لجلب الثروات من الخارج لبلادهم، لا تلك الفاشلة التي يتسابق الناس فيها لإخراج ثروات بلادهم خارجها. فالاستثمار في الوطن هو أفضل احتفال به وأكبر مؤشر على الثقة في مستقبله. فليتنا نفكر في وطننا بإنشاء مشاريع تكفل توظيف أبنائه وتكفل العيش الكريم لهم، فنحن وطن فتي تتزايد فيه أعداد الشباب بشكل متسارع.
فليكن اليوم الوطني يوم تعزيز تقارب الحكومة مع الشعب، وزيادة اللحمة والثقة بينها وبين الشعب بمختلف طوائفه وهذا لا يتأتى إلا بزيادة الثقة فيه، وزيادة ثقة في المواطن واحساسه بالمسؤولية تجاه وطنه. فبالثقة بالمواطن وحدها يرتفع حس المواطن بالمسؤولية تجاه الوطن، ويتذكر واجبه بالمسؤولية تجاهه. والتاريخ ينطق بأن الدول التي منحت مواطنيها الثقة كاملة هي تلك التي تقدمت والتي يضحي فيها المواطن بنفسه دفاعاً عن حياض وطنه وأن الدول التي حجبت الثقة عن مواطنيها خلقت منهم مواطنين اتكاليين يبحثون دائماً عمن يتحمل المسؤولية نيابة عنهم.
اليوم الوطني هو مناسبة لجميع المسؤولين ليتذكروا ما قدموا لوطنهم من مواقع مسؤوليتهم، لمراجعة ذواتهم، وأداء أجهزتهم، ليس ليفتخروا أو يفاخروا بها كإنجازات شخصية ولكن لينظروا لها كمكتسبات وطنية. فاليوم الوطني مناسبة مؤاتية لهم ليقدموا لوطنهم ما يتذكرهم به وطنهم وليس العكس. واليوم الوطني تذكرة لجميع من يتغنى بأرصدته، وأملاكه في الخارج بأن وطنه في الداخل أحق بها من الخارج، وأن هذه الأرصدة تبقى أرقام صماء ما لم تتحقق في منجزات يراها الجميع ويبنى عليها إنجازات أكبر في المستقبل. والتاريخ يعلمنا أن جميع من أعتقدوا أن أرصدتهم ستكون وطناً بديلاً لهم فقدوا وطنهم وفقدوا أرصدتهم معه أيضاً.
والمستفيدون الكبار من الوطن من رجال أعمل وغيرهم عليهم مسؤولية مضاعفة لتقديم مكتسبات جديدة لوطنهم في كل عيد من أعياده، مكتسبات تخلدهم وتضع بصمات لهم واضحة في تاريخ وطنهم، فالإنجازات هي ما يبقى وليست الأرصدة المالية التي يأكلها التضخم وتستفيد منها دول أخرى تحتفل بزيادتها في أعيادها الوطنية. فالمتاحف والجامعات هي من خلد أسر مثل قوقنهايم، وكارينيجي، وسنانفور، وبفيت وليست أرصدتنهم المالية خارج وطنهم. وكثير من رجال الأعمال لدينا بصمات واضحة في تنمية الوطن من خلال التبرعات والمشاريع التنموية الخاصة. ولكن لا حدود للعطاء للوطن ونحن نأمل منهم المزيد والمزيد من العطاء.
واليوم الوطني ليس ذكرى للماضي، بل يجب أن يكون ذكرى للمستقبل أيضاً، وهنا يجب أن يختلف كل عيد عن سابقه بمنجزات وعطاءات تخلده، لا أن يبقى رقم يضاف لسابقه، أو إجازة للسفر للخارج. فنحن نتذكر اليوم الوطني الأول ليس لأنه يوم مهم من تاريخنا فحسب، بل لأنه اليوم الذي أنجزنا فيه وحدتنا.. إنجاز تاريخي عظيم يجب أن نقيس عليه إنجازات بقية أيامنا الوطنية. وعليه فيجب أن نخطط لليوم الوطني القادم من اليوم الوطني الحالي.
فالدولة عليها أن تقدم في هذا اليوم العظيم لمواطنيها ما يدعم حقوقهم ويزيد من مسؤوليتهم تجاه أنفسهم. فيمكن أن يكون اليوم الوطني مثلاً أحتفالاً بانخفاض مستوى البطالة بنسبة غير مسبوقة في سابق الأيام الوطنية، أو بحل نسبة كبيرة من أزمة السكن، أو القضاء على الفقر، وتحسين مستوى التعليم، أو منح حقوق إضافية للمواطن والمواطنة. وأن يكون اليوم الوطني مراجعة لبعض القرارات السابقة وإصدار قرارات جديدة تطبع في ذهن المواطن ذكرى اليوم الوطني، وتحفر في تاريخ الوطن منجزات جديدة.
واليوم الوطني ليس مناسبة احتفال وتجمهر في الشوارع بالنسبة للشباب، بل هو تذكرة بأنه يجب عليه أن يعمل أكثر من العام السابق ليسهم في بناء الوطن، بأنه مؤتمن على إنجازات الوطن وأمنه، فالأوطان بمواطنيها وليسن بثرواتها، وكما قال الرئيس كينيدي، لا تسأل ما قدم وطنك لك ولكن اسأل ما قدمت أنت للوطن!.. اليوم الوطني تذكرة لنا جميعاً بأن نحافظ عليه آمناً ونظيفًا، وأن نبتعد عن كل ما يكدر صفو أمنه، ويسيء لبيئته، ويخل بنظافته.
أعاد الله علينا أيامنا الوطنية علينا جميعاً بمزيد من العزة والكرامة والرخاء، وحمى الله بلادنا من كل شر.