الرصيف هو البناء المرتفع عن الطريق لحماية المشاة من العربات. ويعود تاريخ الأرصفة لعصور اكتشاف العربات أو ربما قبل ذلك. ويقال: إن كثيرا من الطرق في بغداد في ازدهار الإمبراطورية الإسلامية كانت مرصوفة، ولا يعرف السبب الذي دفع المسلمين لرصف الشوارع
ربما يكون حماية المشاة من الدواب أو العربات التي تجرها الدواب، أو لتهيئة جواد نظيفة طاهرة يمشي عليها السابلة. ولا غرابة أن يحرص المسلمون على نظافة أرصفتهم وأماكن تنقلهم، فالنظافة للمسلم من الإيمان، والدين الإسلامي يحث الراكب على احترام الماشي و إعطائه حق الطريق، فاحترام حق الناس في الطريق أيضاً من الإيمان قياساً ولو لم ينص عليه.
وكانت معظم الطرق في المدن الأوربية مرصوفة ولاسيما بعد انتشار العربات والسيارات. ويقيس الأوربيون حسن تخطيط المدن بمعايير منها أن تكون صديقة للبيئة والإنسان، قليلة التلوث، كثيرة المساحات الخضراء، وواسعة الأرصفة الجميلة. وليتنا نحاكي احترام الغرب للبيئة هنا ونجعل مدننا صديقة للبيئة وللإنسان مثلهم ولاسيما بأن نصف الغربيين في تعاملهم مع بيئتهم وفي صدقهم في تعاملهم مع بعضهم البعض الآخر بأنهم مسلمون بلا إسلام كما قال بذلك الشيخ محمد عبده في كتابه «تخليص الأبريز في تلخيص باريز (باريس)»، وربما أحجم- رحمه الله- عن القول بأن بلاد المسلمين إسلام بلا مسلمين.
وللأرصفة شروط ومواصفات من أهمها الجمال والاستواء و ملاءمتها للمشي. والأرصفة الجميلة النظيفة من سمات المدن الراقية حسنة التخطيط. ولذا عمدت كثير من الدول لتعريض الأرصفة و زرعها بالورود ووضع إضاءات وديكورات جميلة فيها احترام للمواطن الذي يمشي فوقها.كما أن جمعيات الحفاظ على البيئة ترى في تشجير الأرصفة وسيلة لتنقية الهواء من عوادم السيارات التي تلوثها. ولذا فالرصيف سمة حضارية من سمات المدن الراقية، وقد عمدت بعض المدن الأوربية على إغلاق أحياء بكاملها أمام المركبات وتحويلها لمناطق مخصصة للمشي فقط وذلك لحاجة الإنسان الصحية للمشي والرياضة. و مؤخرا بدأت بعض العواصم ومنها ماليزيا وغيرها إنشاء أرصفة مغطاة ومكيفة يستطيع المواطنون المشي فيها بحماية تامة من الحرارة صيفًا والمطر شتاءً.ونحن في المملكة نحرص- ولله الحمد- على رصف الشوارع ونطالب المواطن أيضا ببناء رصيف أمام منزله. بل إننا في بعض الاحيان نتيجة لتعدد المقاولين في الشارع الواحد نبدأ برصف الرصيف قبل سفلتة الطريق، وفي أحيان أخرى يرصف الطرق بشكل متقطع يجعل المشي عليه عملية شبه مستحيلة دون تخطي المنخفضات والمرتفعات فأصحاب المحلات يعتقدون ألا أحد يستخدم الرصيف في المشي، و أن المواطن سيحاول المستحيل حتى إن يقف أمام المحل مباشرة حتى لو تطلب ذلك إقفال الطريق أمام الآخرين، فنحن لدينا شوارع فسيحة وجميلة ولكننا نترك رصفها لأصحاب المحلات فيتم رصفها حسب مناسيب المحلات والديكورات المختلفة صعودا وهبوطا، ومبنية بدرج غالبا مكسر وخطر دون وعي تسويقي بأن تحبيب الزبائن في المشي أمام الفترينات ينعش عملية البيع.
وتعمد بعض المحلات، حسب نفوذ صاحب المحل أو نفوذ كفيله، بإغلاق الطريق أمام المحل بسلاسل مع كتابة لوحات تنص على أن الموقف خاص بزبائن المحل فقط دون ملاحظة البلديات بالطبع. وإذا حصل ومشى المواطن في رصيف أمام محلات مواد البناء فسيكون الرصيف معرض حي لأنواع البلاط، أوالخشب، أو البلاستيك حسب تجارة المحل. أما أرصفة مغاسل الملابس فهي تعلن عن نفسها بوضع سطل أمام الباب يتقطر فيه بخار المغسلة ويرطب فائضه بقية الرصيف. وأصحاب الشقق المطلة على الشارع يفترضون عدم استخدامه للمشي فيتركون فائض المكيفات يهبط كالرذاذ على المارة. وبما أننا لا نخطط بشكل متكامل لأرصفتنا ولا نحدد مسبقا أماكن جمع النفايات فيها فقد تعود المواطنون على مناظر حاويات القمامة في منتصف الشارع تقريبا، فإذا كان الشارع ثلاثة مسارات يتحول لمساران للسيارات وثالث لحاويات النفايات. وبما أن بعضا منا، نتيجة ربما للحر أو الكسل، يلقي بالكراتين الفارغة والأكياس السوداء ليس في الحاويات بل غالباً بجانبها، لأننا نعتقد أنه من واجب من يفرغ الحاويات أن يضعها فيها نيابة عنا، فإن الكراتين من مختلف الماركات وأكياس النايلون تضيف رونقا فوضويا على شوارعنا ولاسيما أمام السوبر ماركتات.
وتعج شوارعنا هذه الأيام بالمشاريع والمقاولين ما أن يدفن مقاول حتى يحفر الآخر ما دفن سابقه ليضيف ماسورة أوكيبلا. ولذا لا مانع من أن يستخدم المقاول الرصيف لركن معداته لأشهر أو سنوات طويلة حتى يواصل عمله بعد الحصول على مستخلصاته من الجهة المعنية. ولذا لا تجد رصيفا كبيرا في شارع رئيسي يخلو من جرر سوداء للتراكتورات، وبرادورات مكسرة نتيجة للاستخدام البهلواني من قبل هذه المعدات الضخمة في مساحات ضيقة، بل إن المواطن يعتقد أن بعض سائقي الرافعات والتراكتورات يفحط ويخمس على الرصيف. أما الطريق أمام الرصيف فتكتسي اللون الرمادي بسبب تهريب المعدات القديمة للديزل حيث لا يكلف المقاول نفسه بوضع واق للطريق من سوائل معداته، أو تنظيف مكان عمله بعد الانتهاء ويكتفي بحثو التراب والدفان على الديزل قبل مغادرة الموقع، ولا داعي للتذكير بأننا السوق الأولى في العالم للمعدات الرجيع التي أكملت عمرها الافتراضي في دولها وأخرجتها دولها من الخدمة واستوردناها لتقديم أرخص العروض لمشاريعنا.
ويبقى السؤال الأهم وهو كيف ينظر المواطن السعودي للرصيف؟ ولو تم استطلاع آراءكثير من الناس لقالوا إن الرصيف وضع على جانب الشارع للزينة والتشجير فقط وهنا لا نستطيع لوم المواطن ففي جميع دول العالم يتم تشجير الطرق على جوانبها وحسب المساحة المتاحة، أما لدينا فيتم التشجير في وسط الرصيف وبمساحة تجعل المشي عليه مستحيلاً. كما أننا ولخمسين عاما من الرصف لم نتعرف بعد على عامل التمدد بسبب الحرارة فتجد بلاط الأرصفة مقببا على مسافة كل عشرة أمتار تقريبا، فنحن نفترض مسبقا ألا أحد يمشي على هذه الأرصفة، وأرصفتنا عادة خالية من المشاة إلا من عمال النظافة والمتسولين عند الإشارات الذين يتخذون من الأرصفة قرب الإشارات مقار لممارسة أعمالهم.
ولذا فكثير من السائقين لدينا يعتبر الطريق جزءا من الشارع، أو توسعة له عند الضرورة لإلقاء مخلفات سيارته وزجاجات مشروباته الفارغة، أو ربما بعض أغراض الأطفال أكرمكم الله. والرصيف يدخل الخدمة مباشرة في حالات السرعة الاستثنائية، ويكون مساراً احتياطيا لسيارات الونيت وسيارات الدفع الرباعي في حال ازدحام الحركة المرورية. وقد اختفت كثير من الإشارات الإرشادية والمرورية من على أرصفة الشوارع بسبب حوادث السيارات، ولذا فمن المعتاد جدا أن ترى جرة سيارة مسرعة تحتضن مكان عمود إشارة مقتلع، ومن بين تلك العلامات علامات تحديد السرعة، ولذا لجأ ساهر لتخبئتها خلف الأشجار الكبيرة حفاظاً على سلامتها. وينصح المواطن دائما بعدم استخدام الرصيف للمشي إلا في حالات الضرورة القصوى، لأنه لن يأمن أن ينحرف سائق بلهواني عليه في الرصيف و يلحقه بالرفيق الأعلى. فالمشي على الرصيف لدينا يعد مجازفة كبيرة جدا قد تكلف الإنسان غاليا، فحق الطرق في ثقافتنا المرورية هو للأقوى، ومن يمشي على الرصيف شخص ليس لديه بريستيج ركوب السيارة ولذا لا يستحق الاحترام، فنحن لازلنا نقيس احترام الإنسان بموديل سيارته.