لا يحتاج المرء إلى أن يتخصص ليكتشف هذا الإنسان ومدى تناقضه وقلة أدبه تجاه دينه وتجرئه على توظيف دين الإسلام لخدمة الجماعة الذي ينتمي إليها.
«يوسف القرضاوي» الإخواني المعروف، والمسيّس حتى النخاع، لا تسأله عن موقف الإسلام من قضية ما، بل اسأله أولاً عن موقف حزب جماعة الإخوان من هذه القضية أو تلك، لأن الفتوى بعد ذلك، ستدور مع مصلحة الحزب حيث دارت؛ فإذا كان من مصلحتهم أن يكون موقف الإسلام (يُجيز) هذا الموقف أجازها وقدم لك الأدلة وإذا كان من مصلحة الحزب أن (يحرمها) حرمها وقدم لك - أيضاً - الأدلة، ولا يهمه أن تُناقض فتواه وأدلته وترجيحاته اليوم ما كان يفتي به أمس، ولا يبدو أنه يكترث بذلك، فالإسلام في عرفه، والحلال والحرام، بل والجنة والنار، ليست إلا أدوات تبريرية، ومطية تُمتطى، لمجرد الحشد والتعبئة، وتمرير هذا الموقف أو ذاك.
اقرؤوا معي هذه الفتوى (الجديدة) لهذا الشيخ المتناقض. يقول بالنص في تصريح أخير له: (أنا أختلف مع داعش تماماً في الفكر والوسيلة لكنني لا أقبل أبداً أن تكون من تحاربهم أمريكا التي لا تحركها قيم الإسلام بل مصالحها وإن سفكت الدماء).
وكان القرضاوي بشحمه ولحمه قد أفتى بجواز أن تقصف طائرات حلف النيتو الجيش الليبي في عهد القذافي مساندة للثوار الليبيين، حينما كان (فضيلته)، يُحرض على إسقاطه؛ فكيف أباح ذلك بالأمس، وكيف يحرمه اليوم؛ فما اقترفه القذافي في زمنه، ها هو يقترف ما هو أفضع منه وأشنع خليفة داعش «أبوبكر البغدادي» وجنده، فالحالتان إذاً متطابقتان تماما، في حين أن الفتوى اختلفت، وانتقل بها من الحلال إلى الحرام!
فهل طائرات النيتو عندما قصفت القذافي كان يهمها مصلحة الإسلام أم توافقت مصالحهم مع مصلحة الثوار الليبين؟..
وهل أمريكا اليوم حين تحالفت مع أغلب الدول الإسلامية لتخليص العالم من هذه الوحوش (الداعشية) المتأسلمة كان يهمها مصالحنا أم توافقت مصالحها مع مصالح الدول والشعوب الإسلامية التي أنكرت هذه الأعمال الوحشية وبرأت الإسلام والمسلمين منها؟.. لا أحتاج إلى إجابة على هذه الأسئلة، فحتى العوام سيحبون عليها .. طيب، ما الذي تغير؟.. الذي تغير مصالحه ومصالح حزبه أيها السادة..
وأتذكر بهذه المناسبة أن الرئيس جمال عبدالناصر كان يسخر من هؤلاء المشايخ الانتهازيين في زمنه بالقول (أدي لو فرخة يدي لك فتوى)، وهذا ما يُجسده القرضاوي في موقفه الأخير؛ فموقفه المساند لحلف النيتو كان حينها بسبب أن جماعة الإخوان يدعمون ويساندون تلك الثورات العربية، لأنها كانت تُشكل لهم أملا في أن يرثوا السلطة السياسية في تلك البلدان التي كان لهم فيها جماعات وأحزاب متفرعة عنهم، وهم يرفضونها اليوم بعد أن فشلت تلك الثورات وفشلت معها هذه الجماعة في أن تقدم نموذجا سياسياً يرقى إلى طموح من ثاروا على أنظمتهم، أي أن (الفرخة) التي سال لها لعاب القرضاوي وجماعته بالأمس، فأفتى بجواز الاستعانة بطائرات النيتو، تبخّرت آماله فيها وفي أن يلتهمها اليوم هو وجماعته وأحزابه ويطفي بها جوعهم وظمأهم للسلطة والتحكم في رقاب الناس، فأفتى بحرمة الاستعانة بالطائرات الأمريكية كما جاء في تصريحه الأخير!
أختلف مع المتشددين وأعتقد أنهم يجب أن يتخلصوا من تشددهم مجاراة لما تقتضيه مصالح المسلمين وتحضرهم، ولكنني أرفض وبقوة إذا كان البديل للتشدد هو هذا النموذج الانتهازي المتناقض و(المتسامح)، الذي يختزل الإسلام ومقاصد الإسلام وقيمه ومبادئه وحلاله وحرامه في مصلحة حزبه، فنحن عندها نتماهى مع ذلك (المحتال) في القرون السابقة الذي روى حديثا ونسبه كذباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لو كان الأرز رجلا لكان حليما ما أكله جائع إلا أشبعه)؛ ليبيع بضاعته ويسوقها؛ فلا فرق في البواعث والأسباب بين (بياع الأرز) في القرون المتقدمة والقرضاوي ومن هو على شاكلته الآن؛ فكلاهما يستغلان الدين الحنيف ليروجان لبضاعتيهما.
إلى اللقاء.