أمس مرَّ على حادثة 11 سبتمبر 2001 الإرهابية في أمريكا أربعة عشر عاماً بالكامل. ومن يرصد تاريخ الإرهاب، أو بلغة أدق تاريخنا مع الإرهاب، يجد أن أهم المحطات (التحذيرية) التي مررنا بها، كانت مشاركة 15 سعودياً في تلك العملية الإرهابية المدوية.
أن يشارك هذا الكم الكبير من السعوديين الانتحاريين في هذه العملية الإرهابية يعني أن ثقافتنا لا بد وأن تكون منتجة للإرهاب والإرهابيين ومعها ثقافة الكراهية، وكان علينا منذ ذلك الحين العمل على محاصرتها ومحاصرة الداعين إليها ومنظريها لكيلا تنتشر في بقية الجسد وتتفاقم أكثر، غير أننا - للأسف - تهاونا في مواجهة هذه الثقافة المرضية، فبعضنا ما زال يغالط ويصر على أنها (مؤامرة) من الأمريكيين لكرههم لنا وللإسلام، وبعضنا راح يحاول أن يحاصر الإرهاب بـ (الطبطبة) على دعاته ومنظريه بغرض (احتوائهم)، والبعض الآخر اكتفى بعلاج ما تنبته نبنة الإرهاب نفسها فيعالج ما ظهر منها على السطح ويترك الجذور لتعود وتنبت مرة أخرى.
الملفت الذي يحب ألا يمر علينا دون أن نتنبه إليه أن أغلب من يُجندهم دعاة الإرهاب من السعوديين الآن وانضموا إلى داعش والنصرة كانوا في 11 سبتمبر 2001م أطفالاً لا تتعدى أعمارهم 10 سنوات وربما أقل، على اعتبار أن أغلب المجندين الجدد من السعوديين في تلك الحركتين هم في العشرينيات من أعمارهم كما تقول التقارير الصحفية الصادرة من ميادين القتال؛ أي أن تلك الحواضن التي أنتجت إرهابيي 11 سبتمبر، استمرت في العمل والإنتاج فأنتجت هؤلاء الشباب المحاربين الآن.
وهذا بلغة أخرى يعني أننا فشلنا في التعامل مع المنظومة الثقافية التي أنتجت وما زالت تنتج هؤلاء الإرهابيين، وإن كنا نجحنا بامتياز في التعامل مع مخرجات هذه المنظومة أمنياً.
ولا يستفزني - بالمناسبة - مثل محاولات البعض التعامل مع منظريهم بإجلال وتقدير واحترام بحجة احتوائهم (!!) ؛ أغلب المؤدلجين، لا يمكن أن يخرجوا من شرنقة وعبودية الفكرة حتى وإن اضطروا أحياناً إلى التحايل أو المناورة وإظهار العكس، وبالتالي فكل المحاولات لاحتوائهم هي محاولات عبثية في النتيجة؛ فعقل المؤدلج، خاصة من يرقى إلى درجة التنظير كما هم مشايخ الإرهاب، مُحصنٌ تحصيناً شبه كامل عن سماع أي فكرة، أو الالتفات لأي رأي آخر، وهو غالباً ذو طبع (حدي)، أما أن تتحقق غاياته أو هو على استعداد لأن يموت من أجلها.
وخطورة محاولات (الاحتواء) هذه تكمن في أن منظري الإرهاب قد يفهمونها فهماً خاطئاً، مؤداه أن الدولة يُجدي معها سياسة (لي الذراع) والضغوط والتصعيد، ما يُسهم في النتيجة على (هز هيبة الدولة)، ليس في أعين منظري الإرهاب فحسب وإنما في أعين كل من تصله مثل هذه الأخبار؛ وهنا مكمن الخطورة؛ فالدولة، أي دولة، هي أولاً وأخيراً (هيبة)، فإذا اهتزت في عيون الناس هيبتها فقدت الكثير من قوتها وسطوتها.
لا حل لنا مع الإرهاب إلا بمواجهة مروجي ثقافته، كدعاة الجهاد دون إذن ولي الأمر مثلاً، بكل ما نملك من قوة، حتى وإن كانت هذه المواجهة مؤلمة أو محرجة، لأن القضية ليست مجرد جرائم فردية، وإنما ترقى إلى درجة (نكون أو لا نكون): وأي تأجيل لهذه المواجهة، أو محاولة الاستعاضة عنها بالالتفاف عليها هي في مصلحة الإرهاب والإرهابيين في النتيحة، ومن شأنها أن ترسخ قوتهم وانجذاب الناس نحوهم وتجذرهم وتكاثرهم في المجتمع؛ ويجب ألا نلتفت لأولئك المثبطين والمرجفين، ممن يتحاشون المواجهة ويُضخمون من تبعاتها، لأننا منذ 11 سبتمبر وحتى داعش وجبهة النصرة جربنا مع الإرهاب كل الحلول إلا مواجهة مروجي ثقافة الإرهاب بقوة وحسم، فلماذا نتحاشى أن نواجه مروجي هذه الثقافة السرطانية؟
إلى اللقاء