بعد أن دبّ الخلاف والشقاق بين الإرهابيين، انقسموا إلى قسمين:
قسم يؤيد (داعش)، ويُبجلها، ويبارك أعمالها..
وقسم يؤيد (جبهة النصرة) القاعدية، ويصر على أن تنظيم داعش (خوارج)، والمقصود بالخوارج هنا، أنهم (خرجوا) عن تنظيم القاعدة وتمردوا عليه، فاستحقوا بذلك هذا الوصف.
الدواعش انشقوا عن تنظيم القاعدة، ولم يعودوا يعترفون بزعيمه، وإمرته عليهم؛ بمعنى أن الخلاف فقط في المرجعية الحركية، أما الفكر فليس ثمة فرق بين الحركتين إطلاقاً. كما أن القاعديين يرون أن الأموال التي غنمها تنظيم البغدادي، بعد دخوله الموصل، ونهب بنوكها، وبيوت وجهائها، واستيلائه على بعض حقول النفط وريعها، يجب أن يوزعها الظواهري زعيم تنظيم القاعدة، ويكون للتنظيم منها حصة، في حين أن البغدادي رفض الخضوع لزعيم القاعدة، وأعلن قيام (دولة الخلافة)، التي هي السقف الأعلى الذي تسعى للوصول إليه كل حركات الإسلام السياسي، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين، الحركة الأم لجميع هؤلاء المتأسلمين الحركيين؛ بل إن جماعة البغدادي اعتبرت كل من لم يخضع لها، ولخليفتها، يجب قتاله، ويحل دمه، بمن فيهم من يدينون بالولاء للقاعدة وزعيمها الظواهري. ونتيجة لذلك، ولأن البغدادي أصبح لديه (دخلا ماديا) ضخماً، وقوة وسطوة، وتسليح متفوق، غنمه بعد دخوله الموصل، واستسلام الجيش العراقي له، تقاطر على داعش شباب جبهة النصرة وبقية التنظيمات الجهادية الأخرى، ودافعهم للانضمام إلى داعش، أن الخطاب الذي كانت تدعوا إليه القاعدة، وتُقاتل من أجله، هاهو يتحقق على يد أبي بكر البغدادي، وطالما أن الولاء للفكر، وليس للمسميات أو للأشخاص، فما هو الفرق بين الظواهري والبغدادي؟
وقد قامت في سوريا حروب بين جبهة النصرة وداعش، حققت داعش في أغلبها انتصارات هامة، جذبت من هم في الطرف المقابل نحوها، فانضموا إليها كمقاتلين تحت رايتها. ولم تفلح دعوة (بعضهم) للاحتكام إلى محكمة شرعية، تفصل في الخلاف بين الحركتين الإرهابيتين، كما نادى بذلك المدعو (يوسف الأحمد) أحد كبار المصفقين للجهاد في سوريا، بل سفّهَ الداعشيون برأيه، وسخروا منه، ومن دعوته.
والملفت للانتباه، أن تنظيم داعش، حقق في النتيجة، ما لم تستطع تحقيقه أغلب القوى والدول التي أعلنت الحرب على الإرهاب، فهاهي القاعدة تمر الآن، وبسبب انشقاق داعش، في أضعف المراحل في تاريخها، كما أن داعش، بسبب موقف بعض مشايخ الحركيين تجاهها، عرت هؤلاء المشايخ الانتهازيين، فقد لاحظ كثيرون أن من ندد بداعش وبتصرفات داعش من مشايخ الحركيين، ندد (فقط) بالدواعش، وأغفل عن قصد التنديد بـ(جبهة النصرة)، رغم أن الخلاف بين التنظيمين الإرهابيين، يكمن (فقط) في التسليم بالمرجعية الحركية العليا لزعيم القاعدة «أيمن الظواهري»، أما الفكر فليس ثمة فرق بين هذه وتلك. وأتحدى، وأكرر أتحدى، أن يجرؤ واحدٌ من مشايخ السروريين على وجه التحديد، ممن ندد وهاجم (داعش) أن يُندد ويهاجم بنفس الألفاظ والتصنيفات، (جبهة النصرة)، لأن ذلك سيجعله رأساً، في مرمى سهام بقية الحركيين، سواء من جماعة الإخوان أو السروريين، أو بقية الجهاديين، والتهمة الجاهزة لكل من تمرد على خطابهم الإرهابي، أو اعترض على توظيف شعيرة الجهاد لخدمة الإرهاب، أنه (جامي)، وهو الوصف الذي يُطلقه الاخونج ومن تفرع عنهم على السلفية التقليدية التي تجعل طاعة ولي الأمر من أصول عقيدتها.
الإرهاب - أيها السادة - ملة واحدة، لا فرق بين داعشي ولا قاعدي ولا إخواني ولا سروري، فكلهم إرهابيون، أفاكون، سفاحون، دمويون، متوحشون، برابرة: ولا يغرنكم أنهم يظهرون التقوى والصلاح، أو يحرصون على السنن في مظاهرهم الخارجية، كاللحية الكثة والثوب القصير، أو ما يتلفظون به من عبارات وآيات وأحاديث في خطبهم، فهم يخفون في أعماقهم سمَّ الأفاعي، ونزعات نفسية متوحشة، تعشق الدماء وتبرر سفكها، وتجعل من ارتكابها جواز مرور إلى الجنة والحور العين. وتصفيقهم لما يسمى (الربيع العربي) الملطخ بالدماء، يثبت ما أقول.
إلى اللقاء.