انتهت حرب غزة، واضطرت أخيراً حماس بالقبول بالمبادرة المصرية، لكن بعد ألفي قتيل وعشرة آلاف جريح، وتصدرت السلطة الفلسطينية (منفردة) المشهد الفلسطيني.. الإنجاز الوحيد التي حصل عليه الحمساويون من إسرائيل كان ستة أميال بحرية، يحق لهم أن يصطادوا فيها، أما المعابر فقد أصبحت تحت إشراف السلطة الفلسطينية في رام الله والمصريين، وأخرجت حماس من التحكم في المعابر نهائياً؛ بمعنى أدق خرج الحمساويون من هذه الحرب بخفي حنين؛ فلا هذه الحرب (المفتلعة) أعادت حماس، ومن خلفها جماعة الإخوان إلى المشهد، ولا من شجعوا حماس على اختطاف الجنود الإسرائيليين الثلاثة وقتلهم، خرجوا من مأزقهم كما كانوا يأملون.
الواقعية والموضوعية تقول: إذا اعترف المخطئ بخطئه والمهزوم بهزيمته، فمن شأن اعترافه التقليل من خسائره على كافة المستويات، وعندما يُكابر ويُصر ويأبى أن يعترف بالهزيمة، فهذا يعني أن جراحه ستزيد وأوضاعه ستتدهور أكثر، بل ربما أن مكابرته ومغالطته يعود هو في نهاية المطاف ويصدقها، ويتعامل معها على أنها حقيقة، فيحرم نفسه مما قد يستفيد منه المهزوم من هزيمته كدروس، وأهم دروس الهزيمة أن يراجع المهزوم نفسه، ويصحح مساره، ويتلمس أسباب هزيمته، ويسعى إلى إصلاحها.
لكن لا يبدو أن حماس ستستفيد من أخطائها ومغامراتها غير المحسوبة جيداً، وهذا بالمناسبة ديدن الجماعات الإخوانية.. جماعة الإخوان المصريين، وخلفهم مؤيدوهم، منذ هزيمتهم النكراء في رابعة، وهم يكابرون، ويصرون، ويأبون الاعتراف بالهزيمة؛ حتى أن أحد من اشتهروا بالجعجعة و(لخفة)، من إخونجيتنا، كان يصر على أن مرسي سيعود قريباً، قال ذلك في لقاء تلفزيوني معه، غير أن غيبة مرسي طالت، وسوف تطول أكثر؛ ويبدو أن حبال المشنقة، ستلتف حول عنقه، فرجل بهذا القدر من الخيانة والخسة إلى درجة أن يبيع وطنه للأجانب، ما خُلقت المشانق إلا له وأمثاله، ومن تآمروا معه على بلادهم.
جماعة الإخوان جرمتهم مصر منبت حركتهم، وجرمتهم المملكة وجرمتهم الإمارات، وتنظر إليهم الكويت بعين الخوف الريبة والشك. وفي الأردن، أحد أهم معاقلهم خارج مصر والخليج، يتزايد عليهم الحصار الشعبي، خاصة بعد أن رأى الأردنيون كيف فعل المتأسلمون؛ ومنهم جماعة الإخوان، في جارتهم سوريا. أما في فلسطين فكانت الحركة الاستفزازية التي نفذتها حماس باختطاف الإسرائيليين الثلاثة، وقتلهم، كما اعترف بذلك «صالح العارودي» عضو المكتب السياسي لحماس، هي السبب في دك مدينتهم، والعواقب الكارثية التي جرتها عليهم هذه (الفعلة) الاستفزازية النكراء، فأدرك الفلسطينيون أن هذه الجماعة المتأسلمة جعلتهم وجعلت مدينتهم كبش فداء في محاولة لإنقاذ الآخرين. تونس فشل الإخوان فيها فشلاً ذريعاً، ولأن إخوان تونس رأوا ما حل بجماعتهم الأم بمصر، اختاروا أن ينسحبوا وأعطوا دفة القيادة لآخرين، فتنفس أهل تونس الصعداء بعد أن كادوا أن يختنقوا إبان حكم النهضة الإخوانية.
والسؤال الذي يطرحه السياق وهذه التجارب المتكررة من الفشل الذريع: ألم يقتنع الإخوان ومعهم المتأخونون أن فشلهم المتكرر في أكثر من مكان لا يمكن أن يدافعوا عنه أمام من انخدعوا بهم طوال عقود؛ فهاهم بصلون إلى سدة الحكم ويتضح للجميع أنهم مجرد جعجعة وليس ثمة طحناً؛ وأن بنية الفكرة نفسها التي قامت عليها الحركة غير صالحة للتطبيق.
وفي تقديري أن من ثوابت بني يعرب، خاصة المتأخرين منهم، أن الاعتراف بالخطأ يعيب الرجال، لذلك أصر عبدالناصر على أن هزيمته كانت مجرد نكسة، وأصر صدام أنه سيبقى فانتهى إلى حبل المشنقة. وأصر القذافي أن الليبيين سيفتدونه بأرواحهم فاصطاده الليبيون وقتلوه. وأصر مرسي أنه الرئيس الشرعي رغم الملايين التي طالبت بعزله وانتهى إلى السجن. وها هي حماس تختزل أخطاء كل من سبقوها، وتصر على أنها انتصرت والنتيجة تصدرت (فتح) المشهد، وتراجع الحمساويون إلى الصفوف الخلفية.
إلى اللقاء،،،