المطر كشف سوء بنيتنا التحتية، والعواصف كشفت هشاشة أبنيتنا العلوية، أما حادثة المقيم البريطاني المتزوج من مواطنة سعودية فكشفت عن مستور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكشفت عن مستورنا نحن أيضاً كمجتمع ومواقفنا المتباينة من الهيئة.
بطبيعة الحال لن أتحدث عن تفاصيل الحادثة فقد أشرت لها في مقالي «في حادثة المقيم البريطاني.. الفارق في أسلوب التعامل» المنشور في هذه الزاوية يوم السبت الماضي، لكني سأتحدث هنا عن التداعيات التي خلفتها تلك الحادثة، وهي تداعيات وآثار ستظل ربما لوقت طويل حتى يتم إصلاح الأحوال بوقفة جادة وحازمة تعيد للأنظمة والقوانين المرعية هيبتها وقيمتها، بعيدا عن فرد العضلات وحلبات المصارعة وتصفية الحسابات بالضرب والإهانة تجاوبا مع ما اصطلح على أنه استفزاز لرجال الحسبة أو عصيان ونحوه، ورجال الحسبة يؤمل منهم أن لا يؤثر فيهم استفزاز أو عصيان، بل لا بد أن يتعاملوا مع كل المواقف بحكمة وسعة بال خاصة أن الزمن تغير والحدث من هذه النوعية ينتقل في ثوان معدودة لكل بقاع العالم، ووعي الناس تطور وصار الاعتداء الجسدي مرفوضا بأغلبية مهما كانت المبررات.
الحادثة كشفت مستور جهاز الهيئة برمته، فرغم جهود الإصلاح التي يبذلها معالي الرئيس العام الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ - أعانه الله - إلا أن هذه الحادثة وأحداث أخرى سابقة، قد أزاحت الستار لمن يجيدون قراءة المشهد وتحليله عن توجهات معاكسة وقوية داخل الجهاز تجدف ضد تيارات التحديث والتطوير، وتسعى لفرملة أي جهود تصحيحية بحجة أن تلك الرؤى التطويرية تسعى إلى إضعاف هذا الجهاز وتهميشه، وأن أي خطوات تهدف لنزع السلطة القوية والرادعة من أيدي رجال الحسبة في الميدان لا تفسر إلا بأنها خطوات شيطانية للقضاء على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتحقق في نظر هذا التيار إلا باستخدام القوة المفرطة، وأن الحكمة والموعظة الحسنة التي أمر بها الدين لا تصلح مع العصاة ومرتكبي الذنوب.
آخر الأخبار تفيد بأن الموظفين المنقولين بأمر الرئيس العام رفضوا تطبيق القرار وبمساندة قوية لهم من داخل الجهاز، ما يؤكد ما ذهبت إليه من أن تيارا قويا داخل الهيئة يقف ضد أي قرار ويعمل دون كلل لتقويض أي جهود إصلاحية. كشفت الحادثة أن الهيئة لا تعمل وفق نظام عقوبات يطال المخطئ حسب حجم الخطأ، وشخصيا لا أميل إلى نقل الموظف لأنه لا يؤدي الغرض وقليل من قرارات النقل تنفذ عادة لأسباب كثيرة تدخل فيها العلاقات والظروف الخاصة. لائحة العقوبات لو طبقت ستكون أكثر وقعا وإيلاما وتبدأ بالإنذار الشفهي ثم الإنذار المكتوب ثم الخصم وأخيرا الإبعاد عن العمل الميداني.
النظرة للخطأ يجب أن تكون من معيار واحد سواء كان الخطأ من موظف في الهيئة أو موظف في أي دائرة أخرى، فلا قداسة لأحد والجميع يجب أن يكونوا تحت النظام.
وأخيرا كشفت الحادثة تباينا في مواقف الناس بين رافض لاستخدام العنف، ومؤيد له، وهناك من دعا لإصلاح جهاز الهيئة ومن دعا لإلغائه، وفي نظري أن على قيادة هذا الجهاز مسؤولية كبيرة في الإصلاح، كي لا تتكرر الأخطاء حتى لو أدى الأمر إلى الاستغناء عن بعض القيادات والميدانيين المشاغبين.