يدرك أي متربص مدى متانة الجبهة الداخلية في بلادنا، واللحمة القوية بين الدولة والشعب، لذلك تجاوز الوطن منذ تأسيس هذه الدولة أزمات طارئة نتيجة للتماسك والتضحيات، وتوحد وجهات النظر.
عندما يئس قادة الفتنة من استمالة الناس وكسبهم لصفوفهم بالتشجيع على الخروج تارة والإغراء تارة أخرى لجئوا لأساليب أكثر خبثا، وذلك بالتقاط أخطاء الأجهزة الحكومية حتى ولو كانت صغيرة جدا ليس بهدف النقد من أجل التطوير والإصلاح وإنما لمحاولة إظهار تلك الأجهزة وكأنها ترتدي أسمال الإهمال والتقصير واللامبالاة والفساد من منطلق أن الدولة أساسا لا تهتم بإنسان هذه البلاد، وأن المسئولين لا تهمهم إلا مصالحهم، فيما لجأ آخرون لتكريس الطائفية داخل الوطن، والعزف النشاز على أوتار التصنيفات لتقسيم الناس إلى أحزاب وجماعات متناحر ة، ومتى ما أفلحوا في تفريق الشمل سهل عليهم تحقيق ما يريدون، لأنهم يدركون ما في الفرقة من ضعف لقوله تعالى {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ }، وهم يريدون خلق هذا التنازع الذي لم يعرفه مجتمعنا عبر تاريخه الطويل.
الأخطاء موجودة ومعروفة، وكل مخلص لوطنه ينتقد هذه الأخطاء في سبيل إصلاحها. ناقشنا عبر الإعلام ولسنوات طويلة مشكلات التوظيف والخدمات وأداء المؤسسات الحكومية حتى وصل النقد لموضوعات كنا نعد الحديث عنها فيما مضى يقع ضمن الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها، لكن هؤلاء للأسف لا يقصدون تلك الأخطاء بذاتها، ولكن من أجل استغلالها لتفخيمها ثم بثها عبر سراديب الظلام وخلق الشائعات والأكاذيب والأراجيف حولها، وتأليف القصص والمسرحيات كي يهزوا ثقة الناس بحكومتهم، وعندها فإما أن تخنع الدولة لتوجهاتهم التي تحفظ لهم امتيازاتهم وسطوتهم أو تزيد من حدة التوترات بما يخل بالأمن.
اطلعت قبل أيام على مقالة طويلة روجها من في قلوبهم ما فيها وانتشرت في مواقع التواصل نسبت لدكتور من أصحاب المؤهلات الوهمية. هذا « المتدكتر» حاول بطريقة لا تخلو من القليل من الحكمة والكثير من الخبث والمكر المكشوف من العقلاء والمدلس على البسطاء والسذج، حاول أن يربط خروج الشباب للقتال مع القاعدة وداعش وغيرها بإحباط هؤلاء الشباب من الأوضاع القائمة والأخطاء التى قرر أن من بينها محاربة الدولة لأهل الصلاح والاختلاط وهدم القيم وبناء العلاقات وموالاة دول الكفر كما وصف، واتهم علماء الدين في هذه البلاد بمحاباة الدولة والتساهل، ثم وبطريقة ليست جديدة على أصحاب هذا الفكر المنحرف برأ الفكر المتطرف والمتشدد من أن يكون سببا في الإرهاب مخالفا كل الأدلة والشواهد التي تثبت ضلوع هذا الفكر وباعترافات رموزه في تجييش الشباب وتصديرهم للخارج تحت ستار الجهاد في سبيل الله.
أعرف أن الأخذ والرد مع هؤلاء غير مجدٍ في الوقت الحالي؛ لأن المهم في نظري تقوية الجبهة الداخلية وزيادة تماسكها وتراصها لتكون سداً منيعا أمام أي مثير للفتنة، وقاطعة لطريق أي محاولة.
الدولة لها جهود كثيرة في أمور شتى وفيما يخص الشباب مازلنا ننشد احتواءهم بطرق أفضل، وبحث مسائل التوظيف والإسكان وهي الأمور التي تحظى بالأولوية لدى كل إنسان، وإصلاح التعليم وتنقيته، وتجديد الخطاب الديني بما يواكب الحاضر لا الماضي. هذا ليس مستحيلا ويمكن الإفادة من قادة الفكر والرأي بعقد حلقات نقاش لوضع خطط مستقبلية تصنع جبهة داخلية متينة ومترابطة.