لو كان الناس جميعاً على نمط مثـالي واحد في سلوكياتهم وتعاملاتهم وقبل ذلك أخلاقياتهم لما حدثت مشكلات ومشاجرات وعنف وقتل، ولأصبح من اليسير على الانسان فهم الآخرين وطرق التعامل معهم.
الناس في سلوكياتهم أصناف منهم الحكيم والأحمق، ومنهم الهادىء والعصبي، ومنهم المرن والمعقد وهكذا لذلك وكي يتعامل مثلا الموظف مع كل هؤلاء لا بد أن يفهم طبيعة البشر وأن يعمل في نطاق حدوده وصلاحياته، وأن لا يتجاوز فتحدث كوارث تؤدي لتبعات يصعب تجاوزها.
في حادثة رجال الهيئة مع المقيم البريطاني حدثت مشادات داخل السوق بين أعضاء فرقة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمقيم البريطاني بسبب وقوف المقيم في موقع رأى رجال الهيئة أنه خاطىء، بينما رأى المقيم أنه صحيح، وحين لم ينصع المقيم لأوامر رئيس الفرقة ازدادت حدة الشجار ما أدى إلى أن يمتد العنف إلى خارج السوق وأمام مرأى الناس ليصل إلى حد الاشتباكات والعنف.
هذه الحادثة لم تكن الأولى ليس على مستوى الهيئة فقط بل حدثت في مواقع أخرى ولعلنا نتذكر حادثة رجل الجوازات في مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة والملاسنات الحادة بينه وبين أحد المراجعين، وما زالت حادثة الجندي مع أحد المشجعين في استاد الملك فهد الدولي بالرياض حاضرة في أذهان من شاهدوها وربما هي أقسى بكثير من الحوادث التي جرت، وهناك حوادث جرت في مواقع أخرى ربما لبعدها عن الأضواء لم تطف على السطح.
السبب في سوء التعامل واللجوء لأساليب غير مقبولة في كل الحوادث التي جرت يرجع في نظري لأمرين هامين، الأول منهما إداري بحت ويعود بالدرجة الأولى لجهل الموظف المدني أو العسكري بمهامه وحدود صلاحياته وهو ما ظهر جليا في حادثتي رجال الهيئة وكذلك الجندي في الاستاد الرياضي فقد عمدوا جميعهم لممارسة كل المهام بدءا من ضبط الحالة ثم سحب المتجاوز ومعاقبته في مكان الحادثة، والثاني يتعلق بأسلوب التعامل فالواضح أن أغلب من يباشرون أعمالهم مع الجمهور يفتقدون للأساليب الجيدة أو حتى المقبولة في التعامل، ودون شك تتحمل جهاتهم المسئولية الكاملة إذ كان الأولى أن تدربهم على كيفية التعامل مع الناس باختلاف أصنافهم، ومنها تدريبهم على ضبط أعصابهم وانفعالاتهم في مثل هذه المواقف للخروج بأقل الأضرار، وتدريبهم على كيفية التحدث بلباقة تؤثر في الآخر، وكان الأولى إبعاد من يتسم بالعصبية لأن مثل هؤلاء قد يصنعون صورا مشوهة يصعب محوها من الذاكرة.
كان الأولى خاصة في حادثة المقيم البريطاني مع رجال الهيئة الاكتفاء بإنهاء الموضوع مع المقيم وإفهامه بالخطأ أو ضبط الحالة ورفع المحضر لصاحب الصلاحية كي يتخذ الإجراءات النظامية كي تطبق على المخالف العقوبة المنصوص عليها في مواد اللائحة التنفيذية.
جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على وجه الخصوص له إيجابيات كثيرة، لكن لأنه جهاز يتعامل مع الناس مباشرة فهو شديد الحساسية، وأي خطأ منه حتى ولو كان بسيطا سينظر إليه بأنه كبير جدا لذلك لا بد من الدقة في اختيار الأفراد الميدانيين وتدريبهم ليكونوا واجهة مشرفة لهذا البلد الطيب.