إنَّ التحديات الدولية المشتركة في الوقت الحالي جعلت لدى الدولتين السعودية والفرنسية الرغبة في ترقية العلاقات الثنائية إلى ترابط وتعاون؛ فتم ترجمتها إلى شراكة استراتيجية ثنائية، من خلال زيارة وزير الدفاع والطيران ولي عهد المملكة العربية السعودية إلى فرنسا.
وهذه الشراكة تعزز التفاهم الثنائي بين الدولتين، وتتيح فرصة الحوار في مختلف المواضيع التي تعود بالمنفعة والفائدة على البلدين، وتوحد الاتفاق في الآراء، وتفتح مزيداً من أبواب الشراكة والتعاون بينهما.
ولذلك رحبت السعودية بدور فرنسي أكثر فعالية وتطوراً في مسيرة التنمية السعودية، والرغبة المتبادلة لبناء علاقات تعاون ثنائية طويلة الأمد، وإنشاء علاقات استراتيجية بين البلدين لتحقيق مصالحهما الشاملة، من خلال مجموعة واسعة من المبادرات والمشاريع المشتركة التي تمثلت في بُعدين، الأول: عسكري، ويمثل كرسي وزارة الدفاع والطيران. والثاني: سياسي، ويمثل كرسي ولاية العهد. والبعدان الاستراتيجيان العسكري والسياسي يتقاطعان ويشكّلان بُعداً ثالثاً (عسكري - اقتصادي - سياسي). البعد الأول العسكري: يتمثل في تطوير القوات المسلحة السعودية؛ فالحروب اليوم تستخدم الأسلحة المتطورة التي تعتمد كفاءتها على شبكات المعلومات العسكرية. والجيوش اليوم تعتمد على جمع المعلومات وتراسلها أكثر من أي وقت مضى، والمعلومات الفورية المعززة بصور الفيديو أصبحت ضرورة لا يستغني عنها القادة العسكريون. والتطور السريع في تكنولوجيا الأسلحة نتج منه تغيير في طبيعة الحروب؛ لذلك يتطلب الأمن الوطني تطوير الجيش السعودي بتكنولوجيا وأسلحة متطورة. البعد الثاني الاقتصادي: إن إبرام صفقات الأسلحة وشراء التكنولوجيا من فرنسا يتطلب على سبيل المثال: تشغيل المصانع والقوى العاملة الفرنسية؛ وذلك يعتبر استثماراً سعودياً في الاقتصاد الفرنسي؛ وبالتالي يزيد الثقة بين الشعبين. وفي المقابل، يجعل الاقتصاد السعودي جاذباً للاستثمار الفرنسي؛ لأن الشراكة الاستراتيجية تعزز أواصر الصداقة والتعاون بين الدولتين؛ فتغمر آثارها الحوارات الرسمية والعلاقات الاجتماعية والتجارية بين الشعبين. والبُعد الثالث السياسي: الذي يهتم بالشأن الإقليمي والدولي. وقد أكد ولي العهد ذلك الاهتمام في كلمته قي فرنسا، ومنها:
(1) الاهتمام بالقضية الفلسطينية باعتبارها القضية الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط، وأن الحل العادل لها يكمن في إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
(2) وفي سوريا تطبيق نتائج مؤتمر (جنيف واحد) بتشكيل هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة.
(3) وفي العراق الترحيب بتوافق القيادات العراقية على حكومة وطنية موحدة.
(4) ويظل الأمل معقوداً لدى القيادة السعودية في أن يتحقق في لبنان اتفاق على رئيس يُجمع عليه الفُرقاء لتجاوز المرحلة الحالية.
(5) ويبقى الشأن اليمني مصدر قلق للقيادة السعودية نتيجة التدهور الأمني وما يتم من أعمال تهدف إلى تقويض العملية السياسية التي تستند إلى المبادرة الخليجية.
(6) كما أكد في كلمته أن الحكومة السعودية قدمت كثيراً من المساعدات الإقليمية للمساهمة في الاستقرار والسلام في منطقة الشرق الأوسط.
(7) كما شاركت السعودية من خلال مؤتمر العشرين في المساهمات والجهود الرامية إلى استقرار الاقتصاد العالمي.
(8) والدور السعودي الملموس في المحافظة على استقرار أسعار البترول، من خلال المحافظة على التوازن بين العرض والطلب.
وذلك الاهتمام السعودي بالشراكة مبني على ركيزتين، الأولى: الاستقلالية ونزاهة المبادئ والأهداف. والثانية: الرغبة في بناء نموذج للتعاون المشترك بين الدولتين؛ لأن السعودية دولة إسلامية، فيها الحرمان الشريفان وقبلة العالم الإسلامي، وفرنسا دولة علمانية وعضو في الاتحاد الأوروبي وعضو دائم في مجلس الأمن الدولي. وهوية الشراكة بين الدولتين تجسد نموذجاً يحتذى به بين دول الشرق الأوسط، وتجسد التسامح والتعايش السلمي بين الشعوب مهما اختلفت مذاهبها ومعتقداتها ودياناتها؛ لينتبه العالم إلى ما أشار إليه ولي العهد في كلمته في فرنسا عن أهمية محاربة التطرف والإرهاب من خلال قيام الدول الفاعلة بدعم المركز الدولي لمكافحة الإرهاب الذي أنشأه خادم الحرمين الشريفين.
الخلاصة: إن الاهتمام السعودي الفرنسي لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية المشتركة نتج منه شراكة استراتيجية بين السعودية وفرنسا مبنية على الاحترام المتبادل، والتعاون لتحقيق وتلبية متطلبات المصالح المشتركة بين الدولتين.