إن الكسل الفكري لا يعني عدم التفكير وإنما يعني عدم بذل الجهد الكافي لتنمية أفكارنا وتطويرها لتخرج بجودة عالية ونوعية متميزة، والتقليد الفكري الذي ينتج عنه غياب الوعي والإدراك عن الواقع الموضوعي للأمة يعتبر من أخطر آفات الكسل، الذي يستوجب التنبيه إليه بخطاب لاذع.
وفي مجتمعات الفكر الموضوعي تتم مناقشة القضايا بالحوار والاستماع المتبادل إلى وجهات النظر المختلفة بهدف الوصول إلى أفضل الأراء وإلى جوهر الحقيقة التي ينشدها المجتمع، والحوار هو الوسيلة الفعالة التي بواسطته نستطيع أن نشخص الواقع الموضوعي لنجد الحلول المناسبة لقضايا المجتمع المعاصرة ثم نقيس نتائجها التي يظهر تأثيرها الفوري على المجتمع عبر وسائل الإعلام الحديث، على عكس (الواقع الموضوعي لعصر السلف ) الذي يتعذر قياسه بوسائل التقييم الحديثة مثل المحاكاة والمقارنة والإحصاء وترجمة النتائج إلى نسب وكميات وأرقام، ولذلك يحرص المؤثرون التقليديون على التشبث بالواقع الموضوعي لعصر السلف من خلال كثرة استحضاره والاستشهاد به، وبالتالي تفشى الكسل والخمول الفكري في مجتمعنا المعاصر، فتوقف إنتاج الأفكار المتجددة التي تناسب العصر الحديث، وذلك بسبب المفكرين التقليديين المؤثرين الذين أساءوا استخدام المساحة المتاحة لهم في وسائل الإعلام الحديث، واعتقدوا أن لهم حق الملكية لأفكارهم التقليدية فنشروها وسوقوها كحلول موضوعية لواقع الأمة الإسلامية، مستلهمين وهم الابتكار وحق الملكية من أفكارهم وشهاداتهم العليا ورسائلهم العلمية التي أغلبها بعيد كل البعد عن الواقع الموضوعي المعاصر، ونتيجة لانفصال أفكارهم التقليدية عن الواقع المعاصر نجدهم في أغلب القضايا الشائكة التى تمس المجتمع يلجؤون إلى الصمت المطبق، كمهرب آمن عن التشخيص الموضوعي للانقسام الديني الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم، مما جعل الشباب المسلم في حيرة من أمره تتجاذبه الفرق الإسلامية والتيارات المعاصرة من كل حدب وصوب، فكل فرقة إسلامية تدعي أنها على الحق وأن منهجها هو الصحيح، ولكل فرقة جماعتها الشرعية التي تدلل على صحة آرائها وصواب منهجها بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال علماء السلف وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية، الذي تعتمد أقواله الشرعية وتحتج بآرائه الفقهية أغلب الفرق الإسلامية المختلفة والتيارات المعاصرة المتحاربة في اليمن والعراق ومصر وسوريا وليبيا ونيجيريا والصومال وغيرها من الدول العربية والإسلامية في العالم، بل إن أحد أساتذة الجامعات الإسلامية المرموقين عندما حاول جاداً توظيف فكره التقليدي لتشخيص الاختلاف بين الفرق الإسلامية المختلفة والتيارات المعاصرة المنتشرة في أنحاء العالم، خرج بنتيجة عنصرية خلاصتها أن الفرقة الناجية الوحدة هم أهل منطقته الجغرافية، وما سواها من الفرق الباقية في المناطق الجغرافية الأخرى فأهلها من الفرق الضالة ومصيرها في النار، وهناك من المفكرين التقليدين المؤثرين على قناعة بأنهم شعلة من النشاط والاجتهاد في العبادة فيما يقضونه من وقت ويبذلونه من جهد يستغرقونه في أداء النوافل، وهو نشاط شخصي يعود عليهم بمزيد من الأجر والثواب ولا يمس الواقع الموضوعي للمجتمع الإسلامي المعاصر، الذي يحتاج إلى طاقة ذهنية مؤثرة بكفاءة عالية تفوق تلك الطاقة المؤثرة التي يصرفها أهل البدع والأهواء في استخدام وسائل الإعلام الحديث في تسويق أفكارهم المنحرفة التى تضلل الشباب المسلم، وهناك جماعة أخرى من آثر لبس ثوب الكسل من المفكرين التقليديين المؤثرين، فأخذ يرسخ الفكر الجهادي ويدعو إليه رافعاً شعار حي على الجهاد بدلاً من نشر الفكر الثقافي لمواجهة الغزو الفكري القادم من العالم الغربي، الذي تراجع الاعتقاد به مع ثورة المعلومات وظهور الإنترنت، كما تحول الجهاد إلى إرهاب يقتل جميع الناس دون تفريق بين المسلمين وغيرهم من أهل المعتقدات المختلفة وأصحاب الأديان الأخرى، فأصبح الإرهاب اليوم صناعة دولية يتطلب سرعة الاستفادة من المركز الدولي لمكافحة الارهاب الذي أسسه خادم الحرمين الشريفين تحت إشراف الأمم المتحدة ودعمه بمبلغ 100 مليون دولار.
الخلاصة:
إن الواقع الموضوعي للأمة الإسلامية يحتاج إلى حوار عقلى لتحديد الأسباب الموضوعية التي أدت إلى الانقسام الديني بين المسلمين، فلم يعد كافياً وصف ذلك الانقسام بأنه مجرد فتنة، بل يجب إظهار الحق من الباطل مع تحديد الأسباب التي أدت إلى تحول الجهاد إلى إرهاب.