كلّما انثالت نتائج التفريط في تربية النشء، والغفلة عن العناية بسلوكهم الفكري، والديني، والتعليمي.. تساءلت: أين ذهبت حروفنا، وأين تبخر مداد عقولنا، وكيف لم يتنبّه قومنا لنبض كان واجفاً..، وحمية كانت راعفة...
قلنا مراراً حتى انبرى اليراع..: إنّ التربية الدينية لابد أن تكون بوعي تام بوسطية الإسلام، وبقيم الحق فيه لإشاعة السلام، والوفاق، وقبول الآخر بمثل ما أقر منهج الحياة الذي رُسم واضحاً في حديث سيد البشر محمد بن عبدالله عليه الصلاة، والسلام: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، ثم إنه قال مفنداً دور الفرد بين الجماعة بأنه «كالعضو في الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى»، ثم إنه قيد العلاقة بأنّ كلّ المسلم على المسلم حرام بما في ذلك «ماله، وعِرضه»..، فكيف أمانه، وروحه وقد قيد الاعتداء عليها بقيد القصاص..؟..
كما إنه قنّن أن لا أحد منهم يحق له أن يتخطّى اعتداء على آخر بغيبة، وبهتان، وتجسس،
وتنابز بلقب، أو منقبة، أو جاه، أو مال، كما نهى عن التباغض، والتنافر، والتنافس بحسد وغيرة، وكره..، وأفسح للعلاقات بمن ليس منهم بحق الجوار والأمان والتعامل بالحسنى..
فكيف يشاع العدوان، وتسهل الجريمة، وتُفهم القواعد بعكس ما وضعت لها، ويُستهان بالوطن، وبالعِرض، وبالأمان العام..؟!
مدرسة محمد بن عبدالله خلقاً كأعظم ما تكون عليه الأخلاق ببرهان شهادة خالقه تعالى في محكم تنزيله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، مدرسة أساسها وضع ممن هو فوق السماء، ما جعلها مرجعاً في الأرض، ومثلاً، ونهجاً، ومورداً.. لمن يعلم، ولمن يفكر، ولمن يربي، ولمن يتعايش مع الآخر، ولمن يحافظ على الجماعة، والمجتمع..
وكثيراً ما لفتنا انتباه الوالدين لأن يعودوا لدور الأبوية الواعية اليقظة الحذرة المستلهمة قيمها وأخلاقها من هذه المدرسة الصافية، فلا يهملون أبناءهم مع مربيات، ولا سائقين، ولا رفقاء، ولا صحب، وهم في منأى عنهم، همهم الأوحد إمدادهم بالكساء، والماء، والغذاء، وقُبلتين عند الصباح، أو حتى واحدة قبل النوم، وربما لا تكون إلا مرة، أو مرتين في الأسبوع، بحجة أنّ الأب مشغول ليله، ونهاره، والأم بشكل، وآخر تنحو كذلك مع أبنائها..
وكثيراً ما لفتنا انتباه المعلمين، والمعلمات إلى أدوارهم التربوية نظيرة التعليمية، وأسهبنا في تفاصيل الدور الذي يعرفونه ولا يمارسون، فالتعليم تربية وتأسيس سلوك..
وقديماً كان المربون الخلَّص الواعون يسمّون المعلم بالمؤدب..، وتلك أسفار التاريخ عابقة بالنماذج والمثُل..
وكثيراً ما لفتنا انتباه وسائل الإعلام إلى دورها الفاعل في التأثير على المتلقين من الناشئة، وهي إما غافلة متسطحة فيما تقدم، وإما تلهث تقليداً واستقبالاً لبرامج، ومسلسلات يستقي منها الناشئة أساليب، وطرق الجريمة، والانفلات، فتهون عليهم أفعال المنكرات..،
ثم فُتح الحبلُ على غارب الفضاء الإلكتروني، والآباء فرحون بأجهزة تواصل صغارهم دون رقابة واعية، وضوابط حازمة، وحذر مثالي..
وظناً منهم أننا نحيل بما نقول إلى التمسك بالقديم، ورفض التطور، والحديث، وما كان هذا لهم إلا حجة لركون موجات التفريط في أدوار مهمة، ظهرت نتائجها هذا الغثاء الذي أصبح عبئاً على الجميع، من إرهابيين، ومنفلتين، وحاقدين على المجتمع، والدِّين، ومخطئين في حقوق كثيرة تبدأ بأنفسهم، ثم بأهلهم، ومن قبل ومن بعد بوطنهم..
كنت ولا أزال أتساءل بعد كل مقال في هذه الدائرة، أين المسؤولون وكلُّ الموجهةُ إليهم الأفكار..؟ ترى ألا يقرأون..؟
بلى إنهم يفعلون، ولكن بمزاجية أصبحت مشاعة فيها التوجُّهات إلى الكتابات التي تشبه الفطائر السريعة يأخذونها من نافذة العربة، يأكلونها وهم يقودون قبل أن يستقروا مطمئنين لوقت كاف لقراءة المجدي..
السرعة من أشد الأدواء، وأفتك العوامل فيما طرأ من سلوك عام في المجتمع، ربما إيقاع الحياة وتزاحم أمورها، لكن يبقى لمن يريد السلامة أن يكون أكثر وعياً بمغبات العجلة، والتقاط الأمور بلا تقليب، ولا تفكير، وتحديداً تبلغ الأهمية مكانها فيما يتعلق بأفكار الأبناء، والناشئة، وبمواردها، ومصادر التأثير فيهم..
اليوم، نحصد ثمار هذا الهدر المفرط في التوعية، والتربية، والتعليم، والتوجيه، والإعلام ..
ثمان وثمانون إرهابياً..،
وقبلاً غيرهم..، وبَعداً سيتم الكشف عن سواهم من ثمار التفريط، والاستئمان..
ربما لأنّ هناك جانباً آخر عن التفريط، هو طبيعة المجتمع المسالمة حسنة النية.. لكن،
في هذا الوقت حسن النية تفريط كبير..، وعلى الجميع أن يتضافر فيلتفت إلى جدية الفعل، بما عليهم من واجبات ليشموا السواعد حيث يكونون، القيادي، ورئيس الدائرة، ومدير المدرسة، والوزير، والحارس عند بوابة، والمعلم، والكاتب، والإعلامي، ورجل الأمن، والوالدان، بل الجار، والصاحب، وزميل العمل..، والمحاسب في بنك أو دائرة..، والبائع في السوق..
كلُّهم منوط بهم أمن الفرد، والجماعة في البيت، والشارع، ودائرة العمل..
ولن أختم دون توجيه التقدير لمحمد بن نايف، ولرجال الأمن معه، لجهود الداخلية المميّزة على مستوى خبراتها العالية، وبروزها العالمي..
ولرجل التعليم الذي دق ساعة العمل، وعسى ألا تتعثّر ثوانيها، ودقائقها، وساعاتها، ولا للمحة من وقت..!
فخالد الفيصل في كلمته للهيئات التعليمية، والتربوية، والإدارية في وزارته أشفاني ثقة في أنّ ما كتبنا، ونكتبُ لن يذهب هباءً..،
والأكثر أهمية هو أنّ هناك توجهاً صادقاً، وشفيفاً، وحازماً من قِبل قيادة مؤسسة التربية والتعليم التي هي عالية الأهمية قد اتضح فيما وجّه إليه خالد الفيصل وهو يشد المئزر، ويرفع المؤشر، ويحمِّر العين، ويشعل الموقد..
لا تهاون في الشأن التربوي..، لا تهاون في التعليم.. والواجب..، قد أقرعت العصا..
فافتحوا مدرسة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم لتعلموا، وتربوا، وتهتدوا بنهجها في جميع مؤسسات المجتمع، لتوظيف السلام بأبجدياته هدفاً وغاية ومنهجاً..، وتثبيت حدود العلاقات الفردية، والجماعية بضوابطها..، وتعريف المثوبات والعقوبات لمن يفرط فيعتدي بظلم، أو يشيع الفساد عنوة أو جهلاً..،
ولترسية النفوس على كيفية تحقق للإنسان أن يحيا سعيداً، وإنْ اختلف في الرأي..،
بل أيضا في العقيدة..
فتعالوا إلى بدء النهج..، ومنطلق النجع..