من القرارات الحكيمة والملحة التي اتخذها خالد الفيصل المسؤول.. ما تحدثنا عنه عند صدوره, ومن ثم أضفنا عنه في مقال الأمس, وهو اتخاذ العربية الأصيلة الأم لغة المعلمين والمعلمات في التدريس, وفي الخطاب الشفاهي, بتوظيفها صحيحة سليمة خالية من اللحن, والخطأ، على الألسن في مؤسسة التربية والتعليم، داخل الفصول, وخارجها..
ثمة آخر من الموضوعات الملحة التي نلفت إليه انتباه أمير اللغة, والأدب، ذواقة الريشة, والرسم، هو الخط العربي بجميع أشكاله.. وخصائصه, فهو من حيث هو مهارة, هو من حيث آخر فن راق من الفنون اللصيقة بكتابة العربية، وقد كان في بدء التعليم أول مادة للتعلم وللإتقان، ولا يسمح لطالب في المدارس التأسيسية الأولى كالفلاح بمكة، والمعهد العلمي بالرياض أن يتخرج دون أن يكون الخط العربي أحد ما يمهره من خبرات رئيسة في تعلمه..
وهو جزء مهم في سلوك المتعلم التعبيري, وهو الوسيلة الناقلة للكلام، الراسمة بأشكاله جمَله, وتعابيره, فمن يتقن الخط، ويحسن شكله، ويثقف رسمه ينعكس شعوره بالرضا على ثقته بنفسه؛ لأن خطَّه واجهة لأناقته, وقدرته, ولياقته..
لقد كان الخط العربي مادة رئيسة في التعليم، ثم شحب, واعتلت مكانته, حتى أصبحت خطوط الأفراد مثل عبث أقدام العصافير والطيور فوق الرمال..!
بل كلت عيون من يتصدى لقراءتها في فك شفراتها حين تصحيح ما يقدمه الطالب والطالبة، ليس في مراحل أولى بل حتى في الجامعات, حتى جاءت الطباعة لتغطي على فقر المناهج من مقرر الخط, وانزواء قيمة الخط العربي في المؤسسة التعليمية إلى ركن خفي.. بل المخجل أن المعلمات والمعلمين أنفسهم أصبحوا يعبثون بالخط، وهم يقفون أمام تلامذتهم يوضحون لهم الدروس فوق لوحة الجدار, فجاءت عروض الحاسوب لتخفي العيوب, وتغطي العجز، وتطمس على ضياع مهارة الخط..
كانت الأجيال السابقة تقدر للخط العربي قيمته، وجماله, فأصبح المعلم والطالب يلجؤون إلى خطاطين امتهنوه حرفة يسترزقون بها..
فيما تحول الخط العربي إلى تراث, واختص به نفر يتبارون به في كتابة الآيات القرآنية, واللوحات الجدارية، ودخول المسابقات الدولية, أو إقامة المعارض الخاصة, ومنهم قلة من يكتبون آيات القرآن الجليلة في مصاحف نادرة ثمينة؛ لأنها بخط اليد، لا بحروف الطابعة.. بمثل ما تعلو أثمان ما ينسج باليد وما يحاك بالمكنة من قماش..!!
وهناك من الرسامين من اتخذه فناً يتباهى به في عروضه، ولوحاته..
بينما الخط العربي متمم للغة العربية, هو هوية، ومنجز بارز في معارف القوم, وتراث العلم الأصيل فيهم.. وله صدارة في قاموس منجزات العرب..
ألا يعيد الفيصل للخط العربي هيبته, وينزله مكانته, فيصدر قراراً بإعادة تدريسه، وتقدير قيمته, وتعزيز مهارته تعليماً، وتدريباً، وتقويماً..؟!
ولأنه جزء من حضارة الأمة، ومآثرها.. بلا شك سيأخذ هذا المقترح ما نتوخاه، ضمن منظومة القرارات الحكيمة، الواعية, التصحيحية التي اتخذها الفيصل, وهو خير من يقدر القيمة الجمالية, والصلة الوطيدة بين الخط واللغة في مجد العربية على رؤوس الأقلام, وفي مخارج النطق.