* الإجازة (استراحة محارب) لمن يرهقه الكد في دروب الحياة شريطة ألاّ تمتد فترةً طويلة يدمنها الطبع أو يتمرد عليها، فتقترن في الذهن بالسأم والرتابة، وتتثاءب الروح بـ(كربون) الكسل المقيم! وتلك وربيّ أسوأ نهاية لأجمل بداية، تتمثّل في رحيل مؤقت عن صخب الحياة ووعثائها! ولا أحسب أنني أنفرد بهذا الموقف، فهناك من يشاطرني هذه الرؤية، قلوا أو كثروا!
* * *
* وفي ذات السياق، ليس هناك (قاسم مشترك) بين الناس فيما يتعلق بمدة الإجازة، فكلهم متفقون على ضرورتها، لكنهم فيما عدا ذلك مختلفون بعضُهم يفضلها طويلة تمتد لشهر أو شهرين وربما أكثر، والبعض الآخر يفضلها قصيرة، وقد يحبذ تجزئتها على فترات منقطعة طوال العام، فيكون الاستمتاع بها أكثر إمتاعاً وأبدع نفعاً، ويكون الانقطاع عن العمل خلالها أقلَّ مرارةً و أهونَ إيلاماً!
* * *
* وأجدني ميالاً، فطرةً وطبعاً، إلى الممارسة الأخيرة، لأن إيجابية الإجازة تتجدد خلال العام الواحد أكثر من مرة، بدلاً من تأجيلها إلى وقت لاحق، ثم تحلّ دفعةً واحدة، عندئذٍ، تتحول الإجازة إلى عبء يؤرق الحواس بدل أن تكون واحة تستعيد في ظلالها هذه الحواس أنفاسها و لياقتها وألقها! .
* أما كيف يمضي الناس إجازاتهم، فلكل (إمام) طريقة،.. الظاهر منها والباطن... يأتي السفر في مقدمة الخيارات لدى الكثيرين، سواءَ داخل المملكة أو خارجها.
* البعض الآخر يستثمر الإجازة في ملاحقة أعمال خاصة به لم تمكّنه التزامات الحياة من إنجازها، فيتفرغ لها تفرغاً شبه كامل.
* * *
* وهناك صنف ثالث ينفق الإجازة بالسهر ساعاتٍ قد تمتد إلى مطلع الفجر أحياناً، ثم يستسلم للنوم حتى منتصف النهار أو ما بعده، ويتكرر هذا النسق السلوكي حتى نهاية الإجازة، ليعودَ بعده إلى عمله وكأنه خارج من غياهب نفق مظلم لا يكاد يفُرق بسببه بين الليل والنهار!، وكان خيراً لهذا الإنسان لو أنه استثمر إجازته فيما ينفعه ولا يضره.
* * *
* وينضم إلى ماسبق طيف رابع من (الناس) الذين يستثمرون الإجازة في تجديد وتشديد صلتهم بالكتاب والقلم، والرحلات القصيرة داخلياً أو خارجياً.
* * *
* وبعد،
* فالإجازة حق فطري وطبيعي للإنسان المكلف بالركض اللاهث بحثاً عن أسباب العيش السويّ له ومن يعول، وبسبب ذلك، يستقطع ساعاتٍ طويلةً من نهاره وربما ليله لتلك الغاية، لكنه، في المقابل، يحتاج إلى تجديد خلايا جسده و عقله واستعادة لياقته النفسية تحريراً لها من أرق العمل المجهد والطويل.
* * *
* أما كيف ينفق المرء إجازته فذاك محك دقيق لثقافته وتربيته، وإدراك الفرق بين الممكن والمستحيل، وتوظيف الإجازة توظيفاً إيجابياً يحفظ له كرامته أولاً، وتوازنه النفسي والعقلي ثانياً ويمنحه ثالثاً من الفوائد مالم يتأت له خلال الارتباط بالوظيفة، ليعود بعد ذلك إلى مسيرة البحث الجاد وربما المجهد عن لقمة العيش الكريمة، وهو أشد مايكون يقظة في الذهن و إقداماً في العزم ونشاطاً في البدن، بلا إفراط ولا تفريط! .