* من يعشق الحرف ويسلك جادته لا يمكن أن يرضَى عنه كل الناس كل الأوقات، أو ينجو هو من هجير (نقد) غير الراضين عنه، حتى وإن اجتهد وثابر وصبر. وأزعم أن الحكمَ على عطاء كاتب ما، جزء من تصور صاحب الحكم عنه، إنْ إيجاباً أو سلباً، وهو أمْرٌ اجتهادي يخضع لتقديرات ممارسِه، إلاّ ما مّس الثوابتَ في العقيدة أو دنّسَ كرامة الذات، فذاك أمَر آخر!
* * *
* يشغلني هذا الهاجس منذ حللتُ ضيفاً على بلاط الحرف قبل بضعة عقود، لكنني أتقي بأسه بتوظيف سلطة العقل فيما أكتب، ومهارة التقييم لما أسمع أو اقرأ في هذا الصوب أو ذاك، منتهياً إلى أنه ليس المهم أن يرضى عني كل الناس كل الأوقات، فرضا الناس في مثل هذا الحال غاية يجب أن لا تدرك أو تُمنح، لكن الأهمَّ من المهم ألاّ التمسَ رضاهم على حساب الثابت من العقيدة أو الحق أو الفضيلة، وذاك هو مسك الخطاب!
* * *
* اليوم أبيح لنفسي أن اقتحم على سدنة الحرف خصوصيتَهم فأهدي نفسي وإيّاهم ستَّ وصايا علّها تفلح في ردم جزء من الفجوة بين بوح أقلامنا ورضا الناس، كي تعمَّ الفائدة، وتعمر الطمأنينة والرضا قلوبنا جميعاً، فأقول:
1) لا تكونوا كالشعراء الذين يقولون ما لا يفعلون، فالغاوون من الناس قد يتّبعون من القول أسوأه!
2) لا تأْمروا الناس بالبرّ وتنسوا أنفسكم، فنحن جميعاً نسكن (بيوتاً من زجاج)، والناس يروننا عبره من حيث لا ندري.
ولا نريد! كما أن لهم شفافيةً من الحسِّ والإحساس تخترق جدران التناقض في أعماقنا!
3) لنغمس أقلامنا في (مداد) هموم الناس بصدق.. وعدل.. وأناة! وألاّ تكونَ (وكالة يقولون) (ملهمةَ) حرفنا، فكم أوردت هذه (الوكالة) أناساً المهالكَ سمعةً وصدقاً وتقديراً!
* * *
4) لنتذكر أن (حرية التعبير) مسألةٌ لا تقنّنها دائماً (خطوط حمراء) من صنع غيرنا، فنحن أحياناً الذين نصنع لأنفسنا من أوهامنا (خطوطاً حمراء) يرتجّ بسببها القلمُ ويرتجف اللسان! ثم يردعنا (جدار الخوف) أن نقول كلمة حق يُراد بها حق!
* * *
5) الكتابة مسئولية.. لا ترف، وهي جسر نعبر فوقه صوب هموم الناس وليست (لوحة إعلان) للتعريف بنا، اسماً أو صنعة!
6) لنتجنب أن يكون أحدُنا واحداً من الأنماط الأربعة التالية:
- كاتب (يسفّه) نفسَه وصولاً إلى الشهرة!
- وكاتب (يشهّر) بالآخرين تسلّقاً على أكتافهم طمعاً في الشهرة!
- وكاتب يقول نصفَ الحقيقة.. فيرتد عليه النصفُ الآخر فساداً في الظن أو إفساداً للغاية!
- وكاتب يكتب مادة (مفرَّغةً من الدسم) تشبه شيئاً من طعام لا يسمن ولا يغني من جوع!
* * *
وبعد،
* فهناك ثلاث أمانٍ أود أن أخصّ بها كل كاتب منّا بدءاً بنفسي، فأقول:
1) أن يقرأ مراراً وتكراراً قبل أن يكتب للناس حرفاً واحداً، ثم ليكتبَ بعد ذلك ما يستحق أن يقرأهَ الناس!
2) أن يقولَ له الناس أحسنتَ.. متى أحسن.. وأخطأت متى أساء، وأن يُقالَ ذلك بأسلوب عقلاني لا يُحرجُ كبرياءه.. ولا يجرح وجدانَه، ولا يثلمُ قلمَه!
3) أن يدرك أن حريتَه في تكوين المواقف تنتهي من حيث تبدأ حريةُ الآخر من الناس في التعبير.. ومن حقه اعتبار ما يقوله (حقاً) حتى يثبتَ له العكس.. إن كان له إلى ذلك من سبيل!