لأن المملكة دولة تحترم علاقاتها الدولية مع الدول الأخرى، فهي بذلك لا تتدخل في شؤونها الداخلية، ولا تسمح لغيرها بالتدخل في شؤوننا الداخلية، وتشجع على التعاون معها في كل الميادين ذات الاهتمام المشترك، وتحرص على أن تكون آفاق التعاون مع الآخرين شاملة فلا تستثني أي فرصة أو مجال يؤدي إلى تجسير هذه العلاقة وتنميتها وضخ المزيد من المبادرات التي تضعها في مكانها الصحيح، لهذا فقد نجحت هذه السياسة في استمرار التعاون مع جميع الدول، ومن دون تقلبات أو متغيرات أو خلافات مع من يحترم هذا النوع من العلاقات الثنائية مع المملكة.
* * *
ولقد سمح هذا التعامل والتعاون المتميز من المملكة مع الدول الأخرى بأن تكون صاحبة مكانة عالية وريادة مستحقة؛ ما يعني بذل المزيد من الجهد لإعطاء هذه العلاقات دفقاً من الحيوية والحماس والتجديد والإضافات التي تكرس القوة والإرادة؛ وبالتالي توظيف كل ما تحتاج إليه من متطلبات لتفعيلها بحسب ما تمليه المصالح المشتركة، مع الأخذ بالاعتبار ما يستجد من متغيرات، بحيث لا تتدخل أي ظروف أو حوادث بما قد يكون سبباً في انحراف هذه العلاقات عن مساراتها الصحيحة.
* * *
وبهذا المفهوم، ووفق هذا التوجه، ومن أجل أن تحافظ المملكة على مكانتها كدولة كبرى تتمتع باحترام كبير من الدول الأخرى، بحضورها الاقتصادي والمالي والسياسي القوي، حيث يحرص الآخرون على أن يكونوا شركاء مع المملكة في هذا التوجه فقد اعتادت على أن تنأى بنفسها عن أي تصرف أو سلوك يمكن أن يلحق الضرر ويخل بعلاقاتها التاريخية مع الدول الأخرى، وبالتالي يعرّض مصالحها للضرر، وعلاقاتها الدولية إلى ما يشكل خطورة على أهدافها ومصالحها.
* * *
وعلى هذه الخطى، ووفق هذه السياسة، تأتي زيارة سمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير سلمان بن عبد العزيز لفرنسا في بداية الشهر القادم استكمالاً وامتداداً لسياسة المملكة التي رسمها الملك المؤسس وسار عليها أبناؤه من بعده، وخلال الزيارة سوف تفتح الملفات في كل المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية لاستعراض ما يحتاج إلى مراجعة، وصولاً إلى التوافق في وجهات النظر، والاتفاق من جديد على خريطة عمل مشترك، ومن ثم إعطاء المزيد من الزخم للتعاون المستقبلي بين المملكة وفرنسا.
* * *
على أن العلاقات السعودية - الفرنسية وعلى امتداد تاريخها، ظلت تتمتع بما يمكن وصفه بأنها علاقات مثالية ونموذجية ومميزة، وأنها تشهد من عام لآخر تسارعاً كبيراً في التطور والتوسع والنمو، وأن القواسم المشتركة في السياسات والتعاون التي تجمع بين بلدينا أكثر بكثير من تلك التي قد تكون فيها وجهات النظر غير متطابقة بحسب رؤية كل طرف في هذا الموضوع أو ذاك، وهو ما يجعل من زيارة الأمير سلمان فرصة لتوسيع مجالات التعاون، والبحث عن آليات جديدة لتفعيلها.
* * *
والمملكة تقدر لفرنسا مواقفها المتفهمة من القضية الفلسطينية، ومن السلام العادل في المنطقة، كما تقدر لها التزامها واحترامها لما يتم التفاهم أو الاتفاق معها عليه، ضمن السياسة المعتدلة من مجمل القضايا التي تهم المملكة، حيث احترامها لسياسة المملكة، وتطابق وجهات نظرها مع رؤية المملكة من مجمل هذه القضايا المهمة في المنطقة وعلى مستوى العالم، دون أن تغفل المملكة بدورها جانباً مهماً من تعاونها مع فرنسا، وذلك بأن يكون لفرنسا - كما لغيرها من الدول الصديقة - حصتها في إمداد قواتنا المسلحة بما تحتاج إليه من أسلحة ومعدات، وفتح المجال لشركاتها بالمشاركة كمنافس مع الشركات العالمية الأخرى في تنفيذ المشروعات الكبيرة التي يتم اعتمادها سنويا وتدرج في ميزانيات الدولة.
* * *
إن زيارة الأمير سلمان لها ما لها من الأهمية، نسبة إلى مكانة المملكة، وما يمثله ضيف فرنسا الكبير من موقع مهم في خارطة الحكم في المملكة، بوصفه الساعد الأول لأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في صنع القرارات المهمة التي جعلت من سياسة المملكة في السنوات الأخيرة مصدر إلهام للدول الأخرى، مثلما جعلت من مشروعات التنمية العملاقة التي تنفذ في البلاد وجهة للشركات العالمية الكبرى للمشاركة بتنفيذ جزء منها، وبينها الشركات الفرنسية، التي تجد من الاهتمام والترحيب الشيء الكثير من المملكة، وذلك بتمكينها من أخذ حصة من هذه المشروعات، الأمر الذي يجعل من المصالح المشتركة عامل دعم وجذب لإثراء هذه العلاقات بما يقويها ويساعد على ديمومتها.