اعتادت المملكة أن تنأى في مواقفها عن أي صراعات بين الدول كما بين الأنظمة وشعوبها، لكنها في المقابل لا تسمح لنفسها بالابتعاد عن دور يمكن أن تقوم به لإذكاء روح التعاون والمحبة بين أطراف النزاع، فهذه سياسة ثابتة، وتقليد سعودي متبع ومتوارث، يقوم على التسامح، ومعالجة الأخطاء بالتي هي أحسن، وتضييق الهوة بين الفرقاء لكي لا تتسع مسافة الخلاف.
***
هذه السياسة، بنبلها، وواقعيتها، وحكمة مُسيّريها، جُربت كثيراً، وفي أكثر من موقع، ومع كل حدث، وكانت نتائجها من النجاح أبلغ من أي تصرف يؤجج به الآخرون الصراعات والخلافات، حيث تخمد جهود المملكة نار الفتنة، وتُطوق بؤر الخلاف، ليحل السلام والوئام، ولا تكون في صفحة العلاقات بين طرفي الخلاف إلا ما هو محبب إلى النفس، وبعيداً عن الحقد والكراهية، والاصطفاف لتحقيق مآرب أخرى.
***
هذه المواقف التاريخية والثابتة لم تشفع للمملكة بأن يقف البعض من سياستها موقف المنصف، فيثمّنها ويقدّرها، وينظر إلى مبادراتها على أنها تصب في إطفاء نار الحريق المشتغل، وإنما ظل هَمُّ كل هؤلاء أن يصبوا الزيت على النار للوصول إلى أهدافهم في حقد دفين على سياسة المملكة ومواقفها التي تُعدُّ مرجعية للعقلاء في المنظمات والدول وبين الناس.
***
نفهم جيداً أن هناك قوى معادية للمملكة، وعناصر يقلقها استقرار المملكة، ونفهم أكثر بأنهم يدركون بأن أمن المنطقة مرهون بأمن المملكة، وهذا ما لا يرضيهم، لذا بقي أي مساس بأمننا الوطني هو هدف مستمر للمنظمات الإرهابية، للوصول إلى زعزعة الاستقرار في باقي دول المنطقة، غير أننا لا نعرف ولا نفهم كيف يجد هؤلاء من يأويهم في دول شقيقة أو صديقة لإيذاء جيرانهم في ظل صمت دولي أحياناً أو انتقائي أحياناً أخرى في التعامل مع التطورات المزعجة في منطقة تغلي فيها الحروب بين دولها أو بين شعوبها وحكامها كما في العراق وسوريا.
***
لهذا كان طبيعياً أن يرأس خادم الحرمين الشريفين -ربما لأول مرة- مجلس الأمن الوطني؛ لدراسة مجريات الأحداث التي تعصف باستقرار المنطقة، في ظل تداعيات الأحداث التي تجري في العراق وسوريا وغيرهما، وما قد تتركه تداعياتها من فرصة قد تلجأ إليها المنظمات الإرهابية أو غيرها للإضرار بأمن المملكة، وهو ما استدعى من خادم الحرمين الشريفين لإطلاق أمره باتخاذ الإجراءات كافة لحماية مكتسبات الوطن وأراضيه، وأمن واستقرار الشعب السعودي الأبي.
***
إن قيادة بهذا الشعور والمتابعة والحرص، لا يمكن أن يساورنا الشك في قدرتها وقدرة قواتنا المسلحة ورجالها البواسل في حماية أرض الوطن، مدعومة باصطفاف جميع المواطنين دعماً ومساندة لحماية الوطن من القوى الشريرة إذا ما سولت لها نفسها المريضة الاقتراب من حدودنا أو المساس بأمننا في الداخل.